ومنها : كون الرجل من شهداء كربلاء ، فإنّه أقوى البراهين وأعدل الشهود على عدالتهم ؛ ضرورة أنّ العدالة هي الملكة الباعثة على الإتيان بالواجبات وترك المحرّمات .. وأيّ ملكة أقوى من الملكة الداعية إلى الجود بالنفس الذي هو أعلى (١) غاية الجود في سبيل اللّه تعالى ومرضاته ومرضات رسوله ومرضات إمام عصرهم ، بعد وضوح عراء بذلهم أنفسهم عن كلّ مفسد لعملهم ، من رياء ، أو سمعة ، أو طمع في دنيا من مال ، أو شرف ، أو منصب ، أو حياء من الناس ، أو من الإمام عليه السلام ، أو تقيّد ببيعته ؛ لانتفاء ذلك كلّه بصيرورة المغلوبية والشهادة عندهم وجدانية نصب أعينهم ، وإزالة إصراره عليه السلام على الانصراف والخلاص من البلاء الحياء والتقيّد بالبيعة ، فلم يكن بذلهم أنفسهم إلاّ خالصا مخلصا للّه سبحانه ، ولا يدعو إلى ذلك إلاّ ملكة قوية قويمة ، وديانة مستحكمة مستقيمة ، وتقوى راسخ متين ، وورع حاجز عن تقديم الدنيا على الدين ، حتى أنّ من قتل منهم بالكوفة بعد تخاذل الناس عن مسلم بن عقيل قبل وقعة الطف من هذا القبيل ؛ فإنّه كان يمكنهم التبرّي من الحسين عليه السلام والنجاة بالنفس من شرّ ابن زياد اللعين ، ولكن ملكتهم القويمة دعتهم إلى نصرة الحسين عليه السلام بكلّ ما يمكنهم ، حتى أنفسهم الثمينة ، ومن كان ذا سليقة مستقيمة يجد ما ذكرناه من الواضحات الأولية.
وبهذا الذي ذكرناه قد استغنينا عن التنصيص على وثاقة من يأتي ذكره من
__________________
(١) كذا ، والظاهر : أقصى.