الجائر إذا أمر إنساناً بالزنا والسرقة والقتل بغير حق كان آمراً حقيقة ، حتى إذا خالفه المأمور ولم يأت بما أمر به يقال خالف أمر السلطان.
ثم اختلف أن الحسن من موجبات الأمر أم من مدلولاته؟ فعندنا هو من مدلولات الأمر. وعند الأشعرية وأصحاب الحديث هو من موجباته ، وهو بناء على أن الحسن والقبح في الأفعال الخارجة عن الإضطرار هل يعرف بالعقل أم لا؟ فَعندهم لا حظّ له في ذلك ، وإنما يعرف بالأمر والنهي ، فيكون الحسن ثابتاً بنفس الأمر ، لا أنّ الأمر دليل ومعرف على حسنٍ سبق ثبوته بالعقل. وعندنا : لمّا كان للعقل حظ إلى معرفة حسن بعض المشروعات ، كالإيمان وأصل العبادات والعدل الإحسان ، كان الأمر دليلاً ومعرّفاً لما يثبت حسنه بالعقل وموجباً لما يعرف به. كذا في الميزان.
وذكر في القواطع : ذهب أكثر أصحاب الشافعي رحمهالله إلى أن العقل بذاته ليس بدليل على تحسين شيء ولا تقبيحه ، ولا يعرف حسن الشيء وقبحه ، حتى يرد السّمع بذلك ، وإنما العقل آلة يدرك به ما حسن وما قبح ، بعد أن يثبت ذلك بالسمع ، وذهب إلى هذا كثير من المتكلّمين. وذهب إليه جماعة من أصحاب أبي حنيفة رحمهالله. قال : وذهب طائفة من أصحابنا إلى أن الحسن والقبح ضربان ، ضرب علم بالعقل كحسن العدل والصدق النافع وشكر النعمة ، وقبح الظلم هوالكذب الضار وشرب الخمر. قالوا : وفائدة السمع إذا ورد بموجب العقل أن يكون وروده مؤكداً لما في العقل. وإليه ذهب من أصحابنا : أبو بكر القفّال الشاشي ، وأبو بكر الصيرفي ، وأبو بكر الفارسي ، والقاضي أبو حامد ، والحليمي وغيرهم. وإليه ذهب كثير من أصحاب أبي حنيفة رحمهالله ، خصوصاً العراقيون منهم. وهو مذهب المعتزلة بأسرهم » (١).
__________________
(١) كشف الاسرار في شرح الاصول البزودي ١ / ٣٨٩.