وما أحسن ما قال الشيخ الأكبر محيي الدين بن علي العربي ـ قدسسره ـ في بعض مصنفاته : لو لم يكن للأفعال خصوصية داعية إلى ثمرتها المخصوصة بها ، يكون الأفعال التي على هوى النفس والتي على خلاف هواها سواسيةً في تعلّق ثمراتها بها ، ويلزم نسبة الظلم إلى الله تعالى الله عن ذلك ، فإن الطاعات الواجبة كلها على خلاف هوى النفس ، ولذا قال عليهالسلام : أفضل العبادات أحمزها ، بل الفعل على خلاف الهوى عين الطاعة ، والمعاصي كلها على وفاق هواها ، بل وفاق الهوى عن المعصية : وإذا كانت الطاعات متساوية النسبة في الواقع بجعلها مناطاً للثواب والعقاب ، وكذا المعاصي بجعلها مناطاً لهما ، فتحريم المعاصي بكفّ النفس عن الشهوات في الدنيا وإيجاب الطاعات بقهر النفس فيها بلا ضرورة باعثة ، ظلم ، لأنه حبس النفس عن الشهوات وإقحامها في القهر في الدنيا بلا فائدة ، ولو عكس الله الأمر لفاز العبد بالراحتين في الأولى والآخرة » (١).
وقال عبد العالي الأنصاري :
« مسألة : قال الأشعرية على التنزّل : شكر المنعم ليس بواجب عقلاً ، خلافاً للمعتزلة ومعظم مشايخنا ، وقد نصّ صدر الشريعة على أن شكر المنعم واجب عقلاً عندنا ، وفي الكشف نقلاً عن القواطع : وذهب طائف من أصحابنا إلى أن الحسن والقبح ضربان ، ضرب يعلم بالعقلل كحسن العدل والصدق النافع وقبح الظلم والكذب الضار. ثم قال : وإليه ذهب كثير من أصحاب الامام أبي حنيفة ، خصوصاً العراقيين منهم ، وهو مذهب المعتزلة بأسرهم ، ومعرفة الحسن هو الوجوب أو لازمه ، إذ الغرض أن المؤاخذة في ترك الشكر عقليّة تعرف
__________________
(١) كتاب العروة الوثقى ، مسألة الجبر والإختيار.