لا زال أهل الإسلام في سائر الأقطار والمدن الكبار يحتفلون في شهر مولده صلّى الله عليه وسلّم ، بعمل الولائم البديعة المشتملة على الأمور البهيجة الرفيعة ، ويتصدّقون في لياليه بأنواع الصّدقات ، ويظهرون السرور ويزيدون في المبرّات ، ويعتنون بقراءة مولده الكريم ، ويظهر عليهم من بركاته فضل عظيم ...
وقال الإمام الحافظ أبو محمّد عبدالرّحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة ، في كتابه الباحث على إنكار البدع والحوادث : قال الرّبيع قال الشافعي رحمه الله تعالى : المحدثات من الأمور ضربان ، أحدهما : ما أُحدث ممّا يخالف كتاباً أو سنةً أو أثراً وإجماعاً ، فهذه البدعة هي الضّلالة ، والثّاني : ما أُحدث من الخير لا خلاف فيه لأحدٍ من هذا ، فهي محدثة غير مذمومة ، قال عمر رضياللهعنه في قيام رمضان : نعمت البدعة هذه ، يعني إنّها محدّثة لم تكن ، وإذا كانت فليس فيها ردّ لما مضى ، فالبدع الحسنة متّفق على جواز فعلها والاستحباب لها ورجاء الثّواب لمن حسنت نيّته فيها ، وهي كلّ مبتدع موافق لقواعد الشّرعية ، غير مخالفٍ لشيء منها ، ولا يلزم من فعله محذور شرعي ، وذلك نحو بناء المنابر والرّبط والمدارس وخانات السّبيل وغير ذلك ، ومن أنواع البرّ الّتي لم تعهد في الصّدر الأوّل ، فإنّه موافق لما جاءت به السنّة من اصطناع المعروف والمعاونة على البرّ والتقوى.
ومن أحسن البدع ما ابتدع في زماننا هذا من هذا القبيل ، ما كان يفعل بمدينة إربل كلّ عام ، في اليوم الموافق ليوم مولد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من الصّدقات والمعروف وإظهار الزّينة والسّرور ، فإنّ ذلك مع ما فيه من الإحسان إلى الفقراء يشعر بمحبّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وتعظيمه وإجلاله في قلب فاعله ، وشكر الله تعالى على ما منّ به من إيجاد رسوله الّذي هو رحمة