لقد أجاز الباقر وزيد الشهيد والصادق أبا حنيفة في الفتوى ، باعتراف الشيخ الحلّي ، فهو جامع لشرائط الاجتهاد بنصٍ من الإمام ، فمن ردّ عليه فقد ردَّ على إمامه المعصوم ، وهو كفر ، خصوصاً في زمن الغيبة ، فمذهب هذا المجتهد أولى بالأخذ والاتباع من مذهب ابن بابويه وابن عقيل وابن المعلّم.
فإن لم تكن أخبار أهل السنّة في هذا الباب مقبولة عندهم ، فلا محيص لهم عن قبول أخبارهم : روى أبو المحاسن الحسن بن علي ، بإسناده إلى أبي البختري ، قال : دخل أبو حنيفة على أبي عبدالله عليهالسلام ، فلمّا نظر إليه الصادق قال : كأنّي أنظر إليك وأنت تحيي سنّة جدّي بعد ما اندرست ، وتكون مفزعاً لكلّ ملهوف ، وغياثاً لكلّ مهموم ، بك يسلك المتحيِّرون إذا وقفوا ، وتهديهم إلى واضح الطريق إذا تحيّروا ، ذلك من الله العون والتوفيق ، حتّى يسلك الربّانيون بك الطريق.
وروى الإماميّة بأجمعهم أنّه لمّا دخل أبو حنيفة على خليفة وقته أبي جعفر المنصور العباسي ، وكان عنده عيسى بن موسى ، فقال عيسى : يا أمير المؤمنين هذا عالم الدنيا اليوم ، فقال المنصور : يا نعمان ممّن أخذت العلوم؟ قال : عن أصحاب علي عن علي ، وعن أصحاب عبدالله بن عباس عن ابن عباس. فقال المنصور : لقد استوثقت من نفسك يا فتى.
وفي كتب الإماميّة أيضاً : إن أبا حنيفة كان جالساً في المسجد الحرام ، وحوله زحام كثير من كلّ الآفاق ، قد اجتمعوا يسألونه من كلّ جانب فيجيبهم ، وكانت المسائل في كمه فيخرجها فيناولها ، فوقف عليه الإمام أبو عبدالله ، ففطن به أبو حنيفة فقام. ثم قال : يا ابن رسول الله ، لو شعرت بك أوّلاً ما وقفت ، لا أراني الله جالساً وأنت قائم. فقال له أبو عبدالله : إجلس أبا حنيفة وأجب الناس ، فعلى هذا أدركت آبائي.