أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْعالَمِينَ ) (١).
قال الرازي بتفسير ( فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ ) :
« في الآية مسائل : المسألة الأولى ـ لا شبهة في أنّ قوله ( أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ ) هم الذين تقدّم ذكرهم من الأنبياء ، ولا شك في أنّ قوله ( فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ ) أمر لمحمّد عليه الصلاة والسّلام. وإنّما الكلام في تعيين الشيء الّذي أمر الله محمّداً أن يقتدي فيه بهم.
فمن الناس من قال : المراد إنّه يقتدي بهم في الأمر الّذي أجمعوا عليه ، وهو القول بالتوحيد والتنزيه عن كلّ ما لا يليق به في الذات والصّفات والأفعال وسائر العقليّات. وقال آخرون : المراد الإقتداء بهم في شرائعهم ، إلاّما خصّه الدليل ، وبهذا التقدير كانت هذه الآية دليلاً على أنّ شرع من قبلنا يلزمنا. وقال آخرون : إنّه تعالى إنّما ذكر الأنبياء في الآية المتقدمة ، ليبين أنّهم كانوا محترزين عن الشرك ، مجاهدين بإبطاله ، بدليل أنّه ختم الآية بقوله : ( وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ) ثمّ أكّد إصرارهم على التوحيد وإنكارهم للشرك بقوله : ( فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ ) ثمّ قال في هذه الآية : ( أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ ) أي هداهم إلى إبطال الشرك وإثبات التوحيد ، وتحمّل سفاهات الجهال في هذا الباب. وقال آخرون : اللفظ مطلق ، فهو محمول على الكلّ إلاّ ما خصه الدليل المنفصل.
قال القاضي : يبعد حمل الآية على أمر الرسول بمتابعة الأنبياء عليهمالسلام المتقدمين في شرائعهم لوجوه :
أحدها ـ إنّ شرائعهم مختلفة متناقضة ، فلا يصح مع تناقضها أنْ يكون مأموراً بالاقتداء بهم في تلك الأحكام المتناقضة.
__________________
(١) سورة الأنعام ، الايات ٨٣ ـ ٩٠.