الاستغفار لهم ، لا يقتضي المساواة بين الأنبياء وغيرهم ، فالحديث على فرض صحّته لا يعارض حديث التشبيه أبداً.
ثمّ إنّ بعض الوضّاعين أضاف إلى الحديث جملةً تفيد بعض الشّبه ، إلاّ أنّه ـ بعد تسليم سنده ـ لا يصلح للمعارضة كذلك ، فقد نصّ ابن تيميّة على أنّه يفيد الشبه في الشدة في الله واللين في الله فقط ، ولا يفيد المماثلة في كلّ شيء ، وهذا نصّ عبارته :
« وقول القائل : هذا بمنزلة هذا ، وهذا مثل هذا ، هو كتشبيه الشيء بالشيء ، وتشبيه الشيء بالشيء بحسب ما دلّ عليه السياق لا يقتضي المساواة في كلّ شيء ، ألا ترى إلى ما ثبت في الصحيحين من قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في حديث الأسارى ، لمّا استشار أبا بكر ، فأشار بالفداء ، واستشار عمر فأشار بالقتل. قال : ساخبركم عن صاحبيكم ، مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم إذ قال : ( فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ومثل عيسى إذ قال : ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ومثلك يا عمر مثل نوح إذ قال : ( رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً ) ومثل موسى إذ قال : ( رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ ).
فقوله لهذا : مثلك مثل إبراهيم وعيسى ، ولهذا مثلك مثل نوح وموسى ، أعظم من قوله : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، فإنّ نوحاً وإبراهيم وعيسى أعظم من هارون ، وقد جعل هذين مثلهم ، ولم يرو أنهما مثلهم في كل شيء ، لكن فيما دل عليه السياق من الشدة في الله واللين في الله » (١).
هذا كلام ابن تيميّة في جواب حديث : « أنت منّي بمنزلة هارون من
__________________
(١) منهاج السنة ٧ / ٣٣٠.