العلة لا تكون واجبة الا بالوجوب المقدمي.
وان كانت العلة على الوجه الثاني أي لم يكن هناك وجودان منحازان ، بل كان هناك فعل واحد معنون بعنوانين طوليين ، فالحق انه ليس هناك الا وجوب نفسي تعلق بالفعل ، غايته انه لا بعنوانه الأولى بل بعنوانه الثانوي ، فان الامر بالاحراق امر بالالقاء والامر بالالقاء امر بالاحراق ، وكذا الحال في الغسل والطهارة والانحناء والتعظيم ، وغير ذلك من العناوين التوليدية ، وذلك لوضوح انه لم يصدر من المكلف فعلان يكون أحدهما الالقاء والاخر احراقا ، بل ليس هناك الا فعل واحد معنون بعنوانين : عنوان أولى وعنوان ثانوي ، بل ليس ذلك في الحقيقة من باب العلة والمعلول ، إذ العلة والمعلول يستدعيان وجودين ، وليس هنا الا وجود واحد وفعل واحد ، فليس الاحراق معلولا للالقاء ، بل المعلول والمسبب التوليدي هو الاحتراق لا الاحراق الذي هو فعل المكلف ، وكذا لكلام في الغسل والتطهير ، حيث إن التطهير ليس معلولا للغسل ، بل المعلول هو الطهارة ، ومن ذلك ظهر ان اطلاق المسببات التوليدية على العناوين التوليدية لا يخلو عن مسامحة لان المسبب التوليدي ما كان له وجود يخصه غير وجود السبب كطلوع الشمس وإضاءة النهار ، وليس المقام من هذا القبيل ، مثلا فرق بين فرى الأوداج الذي يكون معنونا بعنوان القتل ، وبين اسقاء السم الذي يتولد منه القتل ، فان القتل في الأول يكون من العناوين التوليدية ، وفي الثاني يكون من المسببات التوليدية ، والأسباب التي جعلوها موجبة للضمان في مقابل المباشرة كلها ترجع إلى المسببات التوليدية ، فتأمل جيدا.
فالالقاء أو الغسل ليس واجبا بالوجوب المقدمي ، بل هو واجب بالوجوب النفسي ، غايته لا بعنوانه الأولى أي بما انه القاء أو صب الماء ، بل بعنوانه الثانوي أي بما انه احراق وافراغ للمحل عن النجاسة ، والذي يدل على أنه ليس هناك فعلان وليس من باب المقدمة وذي المقدمة ، هو صحة حمل أحدهما على الاخر وصحة تعلق التكليف بكل منهما ، كما ورد : اغسل ثوبك عن أبوال ما لا يوكل ، وورد أيضا وثيابك فطهر.