فالذي يعتبر فيه القدرة هو الجمع في العصيان ، والمفروض انه قادر على الجمع في العصيان بترك الأهم والمهم ، إذ ليس الكلام في الضدين الذي لا ثالث لهما ، فعند جمعه في العصيان لابد ان يتعدد عقابه ، كما أنه لابد عند اجتماع المكلفين في ترك الواجب الكفائي من استحقاق كل منهم العقاب. فلا محيص في المقام من الالتزام بتعدد العقاب عند ترك كل من الأهم والمهم ، ولا محذور فيه أصلا.
فان قلت :
هب انه أمكن الخطاب الترتبي من حيث الخطاب والعقاب ، الا انه مجرد الامكان لا يكفي في الوقوع ، بل لابد من إقامة الدليل عليه. نعم : الخطاب الترتبي في مثل الإقامة والصوم لا يحتاج إلى دليل ، بل نفس أدلة وجوب الصوم على من كان مقيما في أول الفجر إلى الزوال يكفي في اثبات الامر الترتبي عند عصيان حرمة الإقامة ، ولكن في مثل الضدين لم يقم دليل على وجوب المهم عند عصيان الأهم. فالقائل بالترتب لابد له من إقامة الدليل على ذلك.
قلت :
نفس الأدلة الأولية المتعرضة لحكم المتزاحمين مع قطع النظر عن تزاحمهما كافية في اثبات الامر الترتبي ، لأن المفروض ان لكل من الأهم والمهم حكما بحيال ذاته مع قطع النظر عن وقوع المزاحمة بينهما ، وكان الدليل المتكفل لذلك الحكم مط يعم حالتي فعل الآخر وعدمه ، فإذا وقع التزاحم بينهما من حيث قدرة المكلف وعدم تمكنه من الجمع الذي كان يقتضيه الاطلاق ، فان لم يكن لاحد الحكمين مرجح من أهمية أو غيرها ، فلابد من سقوط كلا الاطلاقين ، لان سقوط أحدهما ترجيح بلا مرجح ، وتكون نتيجة الخطابين بعد سقوط اطلاقهما ( لمكان اعتبار القدرة ) هو التخيير عقلا. وان كان لأحدهما مرجح ، كالأهمية فيما نحن فيه ، فالساقط هو اطلاق المرجوح فقط ، مع بقاء اطلاق الراجح على حاله. واما أصل الخطاب بالمرجوح فلا موجب لسقوطه إذ من اطلاقه نشئت المزاحمة لا من أصل وجوده ، والضرورات تتقدر بقدرها ، فإذا سقط اطلاقه يبقى مشروطا بترك الراجح ، وهو المراد من الامر الترتبي. فالمتكفل لاثبات الامر الترتبي هي الأدلة الأولية المتعرضة لحكم المتزاحمين من