ولكن لا يخفى عليك : فساد هذا الوجه أيضا ، فان واقع الامر لا يخلو عن أحد وجهين : فإنه اما ان يكون متعلقات الاحكام هي الصور الذهنية بما انها صور ذهنية ، واما ان تكون هي بما انها مرآة لما في الخارج فانية فيه فناء الوجه في ذي الوجه والمرآة في المرئي. فان كان الأول ، يلزم ان تكون المتعلقات هي الكليات العقلية ، وهذا مما لا يعقل. وان كان الثاني يلزم محذور الاتحاد ، لاتحاد المرئي وذي الوجه ، وتعدد المرآت والوجه لا اثر له ، بعد ما لم يكن هو الملحوظ استقلالا والمتعلق للحكم بنفسه. فدعوى ان متعلقات الاحكام انما تكون الماهيات الواقعة في رتبة الحمل لا الواقعة في نتيجة الحمل ، مما ليس لها محصل.
ويتلو هذا الوجه في الضعف ، دعوى : ان متعلقات الاحكام هي الماهيات الغير المتحصلة وهي ليست متحدة بعضها مع بعض ، والاتحاد انما يكون بين الماهيات المتحصلة ، فان هذا عبارة أخرى عن الوجه السابق ، ولا يكون له معنى محصل ، فان متعلقات الاحكام وان كانت هي الماهيات الغير المتحصلة ، الا ان الامر بها انما يكون بلحاظ التحصل ، وهي في مقام التحصل متحدة.
والحاصل : ان الأمر والنهي ، انما يكونان بعثا لتحصيل الطبيعة ، أو عدم تحصيلها. وبالجملة : هذه الوجوه كلها مشتركة في المعنى ، وانما التفاوت بالتعبير ، وهي جميعا ناظرة إلى أن الاحكام من العوارض الذهنية للصور الذهنية ، وليست من العوارض الخارجية ، وانما الخارج يكون ظرف الاتصاف ، لا العروض ، بل ظرف العروض هو الذهن ليس الا ، وان كان المتصور الذهني ملحوظا على وجه المرآتية لما في الخارج.
والجواب عن الكل أيضا مشترك بأنه بعد تسليم اتحاد المتعلقين في الخارج وكون التركيب بينهما اتحاديا ـ كما هو مبنى الوجوه ـ لا سبيل إلى دعوى تغاير متعلق الأمر والنهي ، من جهة كون المتعلقات هي الصور الذهنية ، فان الصور الذهنية الملحوظة مرآة لما في الخارج يكون العبرة فيها بالمرئي وذي الوجه. فلو كانت وجوه الجواز هذه ، فالحق مع المانعين. والذي ينفع في المقام هو اثبات عدم الاتحاد بين المتعلقين في الخارج وكون التركيب بينهما انضماميا ، لا اتحاديا ، على ما سيأتي