الفساد مجال ، من جهة ان ما يكون مرجوحا ذاتا لا يصلح ان يتقرب به ، الا ان النواهي التنزيهية الواردة في الشريعة المتعلقة بالعبادات لم تتعلق بذات العبادة على وجه يتحد متعلق الأمر والنهي ، على ما تقدم تفصيله. فالقول بان النهى التنزيهي كالنهي التحريمي داخل في حريم اقتضاء النهى للفساد ضعيف جدا.
ثم انه لا اشكال في دخول النهى النفسي في حريم النزاع ، وهل يختص النزاع به أو يعم النهى الغيري أيضا؟ والذي ينبغي ان يقال : هو ان النهى الغيري المسوق لبيان المعانعية كالنهي عن الصلاة في غير المأكول خارج عن مورد النزاع ، لأنه بنفسه يقتضى الفساد ، حيث يدل على دخل عدم ما تعلق النهى به في حقيقة المأمور به ، وانتفاء الشيء بوجود مانعه ضروري غير قابل للنزاع فيه.
واما النهى الغيري التبعي المستفاد من الامر بالشيء ـ بناء على اقتضائه النهى عن ضده ـ وأمثال ذلك من النواهي التبعية المتعلقة بالعبادة ، ففي دخوله في محل النزاع كلام ، من جهة كونه غير كاشف عن عدم الملاك ، بل غايته انه يوجب عدم الامر مع قطع النظر عن الامر الترتبي ، ومع عدم كشفه عن عدم الملاك لا يوجب الفساد ، بناء على كفاية الملاك في صحة العبادة ، وسيأتي البحث في ذلك.
فظهر : ان المراد من النهى في عنوان النزاع هو النهى التحريمي النفسي ، أو الغيري التبعي ، على ما فيه من الكلام.
واما العبادة : فالمراد بها في المقام معناها الأخص ، أي الوظيفة التي شرعت لأجل ان يتعبد بها ويتقرب بها منه تعالى.
والمراد من المعاملة : هي الانشائيات الأعم من العقود والايقاعات ، لا خصوص العقود ، ولا المعاملة بالمعنى الأعم الشاملة لمثل احياء الموات ، والحدود ، والمواريث ، وغير ذلك من الموضوعات لآثار شرعية ، فان النهى التحريمي فيها لا يوجب الفساد ، فان النهى عن الاحياء بالآلة الغصبية مثلا لا يوجب فساد الاحياء ، وذلك واضح. الا إذا كان النهى ارشاد إلى عدم كون المحياة ملكا للمحيى ، وهذا خارج عما نحن فيه.
واما المراد من الفساد : فهو عبارة عن عدم ترتب الأثر المطلوب من الشئ