واقع الإرادة مما لا يتوهم دخله في صحة التعويل على المطلقات ، وانما الذي يمكن دخله في ذلك هو عدم وجود المتيقن في مقام التخاطب ومرحلة دلالة اللفظ وظهوره.
والانصاف : ان وجود المتيقن في هذه المرحلة أيضا مما لا دخل له بالمقام ، الا إذا رجع إلى انصراف اللفظ إلى القدر المتيقن ، أو انصراف اللفظ عما عداه ، على اختلاف في كيفية الانصراف. واما مع عدم رجوعه إلى الانصراف فهو مما لا عبرة به ، كان هناك قدر متيقن في مقام التخاطب أو لم يكن ، فإنه على أي حال يصح التعويل على المطلق من غير فرق بين ان نقول : ان المراد من كون المتكلم في مقام البيان ، كونه في مقام بيان كل ما له دخل في متعلق حكمه وموضوعه النفس الأري ـ كما هو الحق والمختار ـ أو كونه في مقام بيان ما له دخل في ضرب القاعدة والقانون ، كما هو مسلكه ( قده ) من أن المطلقات انما وردت لضرب القاعدة والقانون لا لبيان المراد النفس الأمري ، فإنه على كل تقدير يكون وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب لا اثر له ، لأنه لو كان المراد النفس الأمري أو القانوني هو القدر المتيقن في مقام التخاطب لا خل ببيانه وما بينه ، وليس وجود المتيقن بيانا ولا يصلح للبيانية ، فان من أوضح مصاديق القدر المتيقن في مقام التخاطب هو ورود العام والمط في مورد خاص كقوله عليهالسلام : (١) خلق الله الماء طهورا ـ في مورد السؤال عن ماء بئر بضاعة ، فان المورد هو المتيقن المراد من اللفظ المط مع أنه لا يخصص المط بالمورد ، لا قال به أحد ولا هو ( قده ) قال به.
فمن ذلك يظهر : ان وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب مما لا اثر له ، ولا يصلح لهدم الاطلاق ، بل حاله حال وجود المتيقن في الحكم والمراد النفس الأمري الذي اعترف ( قده ) بأنه مما لا اثر له.
نعم : لو كان تأسيس مقدمات الحكمة لأجل خروج الكلام عن اللغوية وعدم بقاء المخاطب في حيرة بحيث لا يفهم من الكلام شيئا ، لكان لثبوت القدر المتيقن دخل في ذلك ، لان وجود المتيقن في البين يوجب خروج الكلام عن اللغوية وان المخاطب يفهم عن الكلام ذلك ، الا ان تأسيس مقدمات الحكمة ليس لأجل
__________________
١ ـ المستدرك ، الجلد ١ الباب ١٣ من أبواب الماء المطلق. الحديث ٤ ص ٢٨