عند نقل كلام الشهيد ( قده ) واللغوية انما تكون إذا لم يجعل الشارع سببا ، أو لم يمض سببا أصلا ، إذ لا لغوية لو جعل سببا أو امضى سببا في الجملة ، غايته انه يلزم حينئذ الاخذ بالمتيقن ، فلزوم اللغوية لا يقتضى امضاء كل سبب ، بل يقتضى امضاء سبب في الجملة ، ويلزمه الاخذ بالمتيقن.
فالتحقيق في حل الاشكال : هو ان باب العقود والايقاعات ليست من باب الأسباب والمسببات ، ان أطلق عليها ذلك ، بل انما هي من باب الايجاد بالآلة ، والفرق بين باب الأسباب والمسببات ، وبين باب الايجاد بالآلة ، هو ان المسبب في باب الأسباب لم يكن بنفسه فعلا اختياريا للفاعل ، بحيث تتعلق به ارادته أولا وبالذات ، بل الفعل الاختياري وما تتعلق به الإرادة هو السبب ، ويلزمه حصول المسبب قهرا.
وهذا بخلاف باب الايجاد بالآلة ، فان ما يوجد بالآلة كالكتابة ، هو بنفسه فعل اختياري للفاعل ، ومتعلق لإرادته ويصدر عنه أولا وبالذات ، فان الكتابة ليس الا عبارة عن حركة القلم على القرطاس بوضع مخصوص ، وهذا هو بنفسه فعل اختياري صادر عن المكلف أولا وبالذات ، بخلاف الاحراق ، فان الصادر عن المكلف هو الالقاء في النار لا الاحراق ، وكذا الكلام في سائر ما يوجد بالآلة : من آلات النجار ، والصايغ ، والحداد ، وغير ذلك ، فان جميع ما يوجده النجار يكون فعلا اختياريا له ، والمنشار مثلا آلة لايجاده ، وباب العقود والايقاعات كلها من هذا القبيل ، فان هذه الألفاظ كلها آلة لايجاد الملكية ، والزوجية ، والفرقة ، وغير ذلك ،
__________________
القائل ( بعت ) عند الانشاء لا يستعمل حقيقة الا فيما كان صحيحا مؤثرا ولو في نظرهم ، ثم إذا كان مؤثرا في نظر الشارع كان بيعا عنده والا كان صورة بيع نظير بيع الهازل عند العرف.
فالبيع الذي يراد منه ما حصل عقيب قول القائل ( بعت ) عند العرف والشرع حقيقة في الصحيح المفيد للأثر ومجاز في غيره الا ان الإفادة وثبوت الفائدة مختلف في نظر العرف والشرع ، واما وجه تمسك العلماء باطلاق أدلة البيع ونحوه فلان الخطابات لما وردت على طبق العرف حمل لفظ البيع وشبهه في الخطابات الشرعية على ما هو الصحيح المؤثر عند العرف أو على المصدر الذي يراد من لفظ بعت فيستدل باطلاق الحكم بحله أو بوجوب الوفاء على كونه مؤثرا في نظر الشارع أيضا فتأمل .. ( المكاسب ، كتاب البيع ، ص ٨١ ـ ٨٠ )