ان كان بعد التأمل يعترف (١) بفساد مقالته.
وعلى كل حال ، فلنرجع إلى ما كنا فيه من أن النزاع في المقام ، هل هو في صحة الاطلاق والتطبيق؟ أو في الحقيقة والمجاز بالنسبة إلى استعمال المشتق فيما انقضى عنه المبدء؟ ربما قيل : ان النزاع في المقام انما هو في صحة الاطلاق وتطبيق عنوان المشتق على ما انقضى عنه المبدء ، لا في أن استعماله فيما انقضى عنه المبدء حقيقة أو مجاز. قلت : هذا الكلام بمكان من الغرابة ، ضرورة ان اطلاق عنوان على شيء وتطبيقه على المصاديق يتوقف على معرفة ذلك العنوان إذ لا معنى للتطبيق مع الجهل بالعنوان.
وبالجملة : صحة اطلاق المشتق على ما انقضى عنه المبدء وعدم صحته يتوقف على معرفة الموضوع له للمشتق ، والكلام بعد في أصل مفهوم المشتق وما وضع له ، فكيف يكون النزاع في الاطلاق والتطبيق؟ مع أن انطباق الكلي على مصاديقه امر خارجي تكويني لا معنى لوقوع النزاع فيه من الاعلام.
والحاصل : ان صدق عنوان الضارب على زيد الذي انقضى عنه الضرب وعدم صدقه يدور مدار مفهوم الضارب وان الموضوع له ما هو؟ فان قلنا : ان الموضوع له هو المعنى الأعم من المتلبس بالحال وما انقضى عنه المبدء ، فلا محالة يصدق على زيد عنوان الضارب ، وان قلنا : ان الموضوع له هو خصوص المتلبس ، فلا يصدق على زيد عنوان الضارب ، فالعمدة هو تعيين الموضوع له وما هو المفهوم الافرادي ، فكيف صار النزاع في صحة الاطلاق والتطبيق ، مع أنه بعد لم يتضح الموضوع له.
هذا كله ، مضافا إلى أن جعل محل النزاع هو الاطلاق والانطباق ، انما يصح فيما إذا كان هناك فرد أطلق عليه عنوان المشتق كما في زيد الضارب وعمر و
__________________
١ ـ هذا ما افاده شيخنا الأستاذ مد ظله في هذا المقام ، ولكن ربما يختلج في البال ان الكذب لازم على كل حال ، سواء قلنا بالتوسعة في ناحية المفهوم ، أو قلنا بمقالة السكاكي : من الحقيقة الادعائية وان اطلاق الأسد على زيد لمكان ادعاء انه من افراد الحيوان المفترس. نعم لو قلنا بان المجاز عبارة عن استعمال اللفظ في خلاف ما وضع له لعلاقة بين المعنيين من دون ان يكون هناك تصرف لا في ناحية المفهوم ولا في ناحية الفرد ـ كما هو المشهور في الألسن ـ لما كان يلزم كذب في الكلام أصلا ، فتأمل ـ منه.