التغسيل قبل الدفن الأوّل لا الثاني كما مرّ.
وقد يستدل على عدم وجوب الإعادة حينئذ بوجوب الفورية في الدفن الثاني لأنّه على القول بها ينافي التغسيل.
وفيه : أنّ الفورية على القول بها لم تثبت بدليل لفظي يمكن التمسُّك بإطلاقه وإنّما ثبتت بالإجماع وهو دليل لبي يقتصر فيه على المقدار المتيقن وهو غير صورة وجوب التغسيل قبل الدفن.
على أن معنى الفورية عدم جواز المسامحة في الإتيان بالمأمور به ، وأمّا عدم جواز الإتيان بما يجب الإتيان به فلا ، لعدم كونه منافياً للفورية في الامتثال ، فالصحيح في الاستدلال على عدم وجوب الإعادة ما ذكرناه.
وأمّا الصورة الثانية : فالصحيح فيها وجوب الإعادة ، لأن وجدان الماء وارتفاع العذر في زمان جاز التأخير إليه في الدفن يكشف عن كون التيمم غير مأمور به بالأمر الواقعي لعدم تحقق شرطه ، واعتقاد الفقدان أو قيام البيّنة عليه أو الاعتماد فيه على الأصل لا يوجب الإجزاء ، لأنّ الأمر التخيلي أو الظاهري لا يقتضي الإجزاء كما مرّ.
بل لو تمكّن المكلّف في مفروض الكلام من التغسيل المأمور به قبل خروجه عن قبره لا يبعد القول بجواز النبش لإعادة التغسيل ، وذلك لكشف ذلك عن عدم كون التيمم مأموراً به بالأمر الواقعي ، فالدفن قد وقع قبل التغسيل المأمور به فينبش القبر ويعاد على الميِّت غسله.
ودعوى أنّ النبش محرم ، والتمكّن بعد الدفن يكشف عن كون التيمم مأموراً به واقعاً ، لعدم التمكّن من الماء إلى وقت الدفن وعدم جواز إخراجه من قبره.
مندفعة بأنّ النبش لم يقم دليل على حرمته سوى الإجماع المستند إلى حرمة هتك المؤمن ، لأن حرمة المؤمن ميتاً كحرمته حياً. والأدلّة اللبية يقتصر فيها على المورد المتيقن ، وهو ما إذا كان الدفن بعد الغسل المأمور به ، لا ما إذا وقع قبله فلا مانع من نبش القبر محافظاً على احترام المؤمن وتغسيله.
بل قد التزم المشهور بجواز النبش فيما إذا ظهر أنّ الغسل لم يقع على الوجه الصحيح