وتشريع وجوب الحج بقوله تعالى : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )(١) كان واجدا للاستطاعة بحيث لا يكون وجود الموضوع متأخرا زمانا عن زمان إنشاء الحكم وتشريعه ، وليس مثل هذا الفرض محطّ نظر شيخنا قدسسره بل محط نظره هو ما عدا هذه الفروض التي اتفقت في أوّل التشريع.
نعم ، يرد عليه أنه بناء على هذا لا يتصور الاشتراط في القضية الخارجية بالنسبة إلى من كان جاهلا بوجود الشرط ، إلاّ أن يرجع محصل الاشتراط فيها إلى أنه إن كنت فعلا واجدا للشرط فأنت مأمور فعلا ، وإن لم تكن واجدا له فأنت لست بمأمور أصلا حتى لو وجد لك الشرط بعد ذلك. ومنه يظهر لك اندفاع ما أورده عليه في الحاشية صفحة ١٢٨ (٢).
قال قدسسره فيما حررته عنه ما هذا لفظه : إن التكليف في القضية الخارجية لا واسطة بين إنشائه وفعليته ، بل يكون إنشاؤه عين فعليته سوى الاختلاف بينهما بالرتبة ، بخلاف التكليف في القضية الحقيقية فانه لمّا كان إنشاؤه عبارة عن جعله على من يوجد من أفراد موضوعه لم يكن فعليا بمجرد إنشائه بل كان تحققه الفعلي متوقفا على تحقق موضوعه الذي أخذ فيه مفروض الوجود ، وربما تأخر ذلك بزمان طويل عن إنشائه وجعله.
قوله : الوجه الثاني ... إلخ (٣).
السر في هذا الوجه الثاني وفي الوجه الثالث الآتي بل في الوجه الأوّل أيضا هو أن ما نسمّيه بالشرائط في القضية الخارجية إنما هي أسباب أو
__________________
(١) آل عمران ٣ : ٩٧.
(٢) حسب الطبعة القديمة المحشاة ، راجع أجود التقريرات ١ : ١٩٠ من الطبعة الحديثة.
(٣) أجود التقريرات ١ : ١٩٠.