تلك المقدمة في ظرفها قبل حصول شرط الوجوب الذي هو الزمان المتأخر فلا يكون موردا للقاعدة المذكورة.
وان شئت فقل : إن هذه القاعدة ليست من القواعد الشرعية المنصوصة ، وإنما هي قاعدة عقلية مرجعها إلى المعذورية وعدمها ، وحينئذ يكون المرجع في مثله هو الحكم العقلي. وهل يكون العقل في مثل ذلك حاكما بمعذورية هذا الشخص أو لا؟ والظاهر الاول ، فان الحجة في قبال تجويز ترك تلك المقدمة إن كانت هي علم ذلك المكلف بأنه سوف يبتلى بالوجوب الآتي فلا ريب في منعها ، لأن التكليف حين ذلك الترك لم يكن فعليا في حقه وإن علم بأنه يكون فعليا عليه في الزمان الآتي. وإن كانت الحجة هي علمه بالملاك الآتي فهي ممنوعة أيضا ، لما عرفت من أنه لا يلزمه المحافظة على الملاك خصوصا فيما إذا لم يكن الملاك حاصلا فعلا بل كان متوقفا على الزمان كما إذا كان للزمان دخل فيه.
وأما ما افيد بقوله : قلت البلوغ إنما يكون شرطا ... إلخ (١) فهو قابل للتأمل سيما بعد مثل قوله صلىاللهعليهوآله : رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ (٢). نعم لو دل دليل خاص على وجوب مقدمة خاصة على الصبي المراهق لزمنا قبول ذلك ، لأن تكليفه ليس بمحال ، ويكون نسبته إلى مثل حديث رفع القلم نسبة المخصص. وهكذا الحال لو قلنا بأن ذلك من باب حكم العقل محضا ، فان العقل لا يحكم على الصبي بلزوم المحافظة على الملاكات الآتية خصوصا ، أما أنا من قبل أنفسنا نشرّع له تكليفا استنادا إلى قاعدة الامتناع بالاختيار التي قد عرفت حالها فلا يمكننا ذلك. وهكذا الحال في
__________________
(١) أجود التقريرات ١ : ٢٢٢.
(٢) بحار الأنوار ٨٨ : ١٣٤ / ٥.