لكن لم تكن عباديتها من قبل أمرها النفسي الاستحبابي كي يكون المطلوب بهذا الطلب الثاني هو امتثال أمرها النفسي ، بل عباديتها في ذلك الحال إنما هي من قبل هذا الطلب الثاني فلا يكون متعلقه إلاّ نفسها.
تنبيه :
لا يخفى أن الطلب في حدّ نفسه لا يقبل الشدة والضعف فلا يكون الاندكاك إلاّ عبارة عن ارتفاع الاثنينية ، ومعنى التأكد هو عبارة عن تعدد الملاك ، كما أنك قد عرفت (١) في أول الأوامر أن الفرق بين الوجوب والاستحباب ليس بشدة الطلب وضعفه ، بل إن الوجوب طلب مجرد لا ترخيص معه في الترك ، بخلاف الاستحباب فانه ينضم فيه إلى الطلب الترخيص في الترك ، وحينئذ عند اجتماعهما واندكاك أحدهما بالآخر لا يكون الاستحباب آخذا شيئا من الوجوب ، بل يكون الاستحباب فاقدا للجهة الزائدة فيه على الوجوب وهي الترخيص في الترك ، لكن الذي يظهر منه قدسسره أن الطلب قابل للشدة ، ولأجله قال : وأما ذات الطلب فهي باقية عند الاشتداد والتبدل إلى مرتبة أكيدة ... الخ (٢).
ثم لا يخفى أنه إذا امتنع الترخيص وبقي الطلب وحده كان ذلك الطلب وجوبيا لأنّه طلب مع فرض أنه لم يلحقه الترخيص في الترك ، إلاّ أن يقال إن الترخيص في الترك باق إلاّ أنّه من ناحية جهة الاستحباب ، ولا ينافيه انعدام الترخيص من ناحية جهة الوجوب ، وعلى ذلك يجتمع الوجوب والاستحباب من دون التزام بالاندكاك.
__________________
(١) راجع صفحة : ٣٥٠ وما بعدها من المجلّد الأوّل من هذا الكتاب.
(٢) أجود التقريرات ١ : ٢٥٨.