صغارا يتكففون الناس.
ثم قال حدثني أبي أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال ابدأ بمن تعول الأدنى فالأدنى ثم هذا ما نطق به الكتاب ردا لقولكم ونهيا عنه مفروضا من الله العزيز الحكيم قال « وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً » (١) أفلا ترون أن الله تبارك وتعالى قال غير ما أراكم تدعون الناس إليه من الأثرة على أنفسهم وسمى من فعل ما تدعون الناس إليه مسرفا وفي غير آية من كتاب الله يقول : « إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ » فنهاهم عن الإسراف ونهاهم عن التقتير ولكن أمر بين أمرين لا يعطي جميع ما عنده ثم يدعو الله أن يرزقه فلا يستجيب له للحديث الذي جاء عن النبي صلىاللهعليهوآله إن أصنافا من أمتي لا يستجاب لهم دعاؤهم رجل يدعو على والديه ورجل يدعو على غريم ذهب له بمال فلم يكتب عليه ولم يشهد عليه ورجل يدعو على امرأته وقد جعل الله عز وجل تخلية سبيلها بيده ورجل يقعد في بيته ويقول رب ارزقني ولا يخرج ولا يطلب الرزق فيقول الله عز وجل له عبدي ألم أجعل لك السبيل إلى الطلب والضرب في الأرض بجوارح صحيحة فتكون قد أعذرت فيما بيني وبينك في الطلب لاتباع أمري ولكيلا تكون كلا على أهلك فإن شئت رزقتك وإن شئت قترت عليك وأنت غير معذور عندي ورجل رزقه الله مالا كثيرا فأنفقه ثم أقبل يدعو يا رب ارزقني فيقول الله عز وجل ألم أرزقك رزقا واسعا فهلا اقتصدت فيه كما أمرتك ولم تسرف وقد نهيتك عن الإسراف ورجل يدعو في قطيعة رحم.
ثم علم الله عز وجل نبيه صلىاللهعليهوآله كيف ينفق وذلك أنه كانت عنده أوقية من الذهب فكره أن يبيت عنده فتصدق بها فأصبح وليس عنده شيء وجاءه من يسأله فلم يكن عنده ما يعطيه فلامه السائل واغتم هو حيث لم يكن عنده ما يعطيه وكان رحيما رقيقا
______________________________________________________
ومنه الحديث أنه قال لسعد : « خير من أنه تتركهم عالة يتكففون الناس » أي : يمدون أكفهم إليهم يسألونهم وقال البيضاوي : « وَلَمْ يَقْتُرُوا » أي لم يضيقوا « وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً » أي وسطا وعدلا ، سمي به لاستقامة الطرفين. وقال الفيروزآبادي : « الكل » الثقيل لا خير فيه والعيال. وقال في مجمع البيان في قوله
__________________
(١) سورة الفرقان ـ ٦٨.