فأدب الله تعالى نبيه صلىاللهعليهوآله بأمره فقال « وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً » (١) يقول إن الناس قد يسألونك ولا يعذرونك فإذا أعطيت جميع ما عندك من المال.
كنت قد حسرت من المال فهذه أحاديث رسول الله صلىاللهعليهوآله يصدقها الكتاب والكتاب يصدقه أهله من المؤمنين وقال أبو بكر عند موته حيث قيل له أوص فقال أوصي بالخمس والخمس كثير فإن الله تعالى قد رضي بالخمس فأوصى بالخمس وقد جعل الله عز وجل له الثلث عند موته ولو علم أن الثلث خير له أوصى به ثم من قد علمتم بعده في فضله وزهده ـ سلمان وأبو ذر رضي الله عنهما فأما سلمان فكان إذا أخذ عطاه رفع منه قوته لسنته حتى يحضر عطاؤه من قابل فقيل له يا أبا عبد الله أنت في زهدك تصنع هذا وأنت لا تدري لعلك تموت اليوم أو غدا فكان جوابه أن قال ما لكم لا ترجون لي البقاء كما خفتم علي الفناء أما علمتم يا جهلة أن النفس قد تلتاث على صاحبها إذا لم يكن لها من العيش ما يعتمد عليه فإذا هي أحرزت
______________________________________________________
تعالى : « وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ » : أي لا تكن ممن لا يعطي شيئا فتكون بمنزلة من يده مغلولة إلى عنقه لا يقدر على الإعطاء والبذل ، وهذا مبالغة في النهي عن الشح والإمساك « وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ » ولا تعط أيضا جميع ما عندك فتكون بمنزلة من بسط يده حتى لا يستقر بها شيء ، وهذا كناية عن الإسراف « فَتَقْعُدَ مَلُوماً » نفسك وتلام « مَحْسُوراً » منقطعا بك ليس عندك شيء ، وقيل : عاجزا نادما ، وقيل : محسورا من الثياب ، « والمحسور : العريان » عن أبي عبد الله عليهالسلام.
قوله عليهالسلام : « قد حسرت » ، قال الفيروزآبادي : « حسرة يحسره ويحسره حسرا » : كشفه « والشيء حسورا » : انكشف ، « والبصر يحسر حسورا » : كل « والغصن » قشره « والبعير » ساقه حتى أعياه « والبيت » : كنسه ، وكفرح ـ عليه حسرة : تلهف ، وكضرب وفرح : أعيا « والحاسر » : من لا مغفر له ولا درع أو لا جنة له.
قوله عليهالسلام : « قد تلتاث على صاحبها » أي تبطئ وتحابس عن الطاعات أو
__________________
(١) سورة الإسراء ـ ٣١.