قوله « إنما هي نفسي » أي إنما همتي وحاجتي « أَرُوضُهَا » ورِيَاضَةُ النفس مأخوذة من رِيَاضَةِ البهيمة ، وهي منعها عن الإقدام على حركات غير صالحة لصاحبها ، فالقوة الحيوانية هي مبدأ الإدراكات والأفعال إذا لم تكن مطيعة للقوة العاقلة كانت بمنزلة البهيمة لم تُرَضْ ، فهي تتبع الشهوة تارة والغضب أخرى ، وتستخدم القوة العاقلة في تحصيل مراداتها ، فتكون هي أمارة والعاقلة مؤتمرة ، وأما إذا رَاضَتْهَا القوة العاقلة حتى صارت مؤتمرة لها متمرنة على ما يقتضيه العقل العملي تأتمر بأمره وتنتهي بنهيه كانت العاقلة مطمئنة لا تفعل أفعالا مختلفة المبادئ وكانت باقي القوى سالمة لها. ثم قال الشارح : لما كان الغرض الأقصى من رِيَاضَةِ نفسه نيل الكمال الحقيقي فلا بد له من الاستعداد ، وكان ذلك الاستعداد موقوفا على زوال الموانع الخارجية والداخلية كانت لِلرِّيَاضَةِ أغراض ثلاثة : الأول حذف كل مرغوب ومحبوب وهو حذف الموانع الخارجية ، الثاني تطويع النفس الأمارة للنفس المطمئنة فينجذب التخيل والتوهم عن الجانب السفلي إلى العلوي وتتبعها سائر القوى فتزول الدواعي الحيوانية وهو حذف الموانع الداخلية ، الثالث توجيه السر إلى الجنبة العالية لتلقي السوانح الإلهية واقتناصها. ويعين على الأول الزهد الحقيقي ، وهو الإعراض عن متاع الدنيا وطيباتها بالقلب ، وعلى الثاني العبادة المشفوعة بالفكر في ملكوت السماوات والأرض وعظمة الله تعالى والأعمال الصالحة المنوية لوجهه خالصا ، وعبر عن هذه الأمور المعنوية بالتقوى التي يَرُوضُ نفسه بها. ورَاضَ نفسه : بمعنى حلم فهو رَيِّضٌ. والرَّيِّضُ في العلم : المذلل نفسه لذلك من رَاضَ المهر رِيَاضَةً ذلله فهو مَرُوضٌ. وقوم رَوَاضٍ ورَاضَةٌ. ومنه حديث
أَحَدِ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ فِي بَغْلِ الْمُسْتَعِينِ « كَانَ قَدْ جَمَعَ عَلَيْهِ الرَّاضَةَ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حِيلَةٌ فِي رُكُوبِهِ ».
وقوله : « حتى نَتَرَاوَضَ على أمر »