وفي قوله : « في قعر الإناء » إشارة إلى اعتبار القلّة في مفهومه لغة كما يعتبر فيه عرفا ؛ لعدم صدق السؤر على النهر الجاري ، والشط ، والحياض الكبيرة إن شرب منه.
قوله : هو الماء القليل إلى آخره.
لا يخفى أنّه يدلّ على اختصاص السؤر بالماء وعدم اشتراط المباشرة بالفم ، بل يعمّ سائر الأعضاء أيضا. ومنهم من خصّه بما باشره بالفم فقال : « إنّه ماء قليل لاقاه فم حيوان ». ومنهم من لم يخصّه وفسّره : بأنّه ما باشره جسم حيوان أعمّ من أن يكون ماء قليلا أو أحد المائعات ، بل الجوامد بشرط المباشرة بالرطوبة.
فالنزاع في تعيين السؤر في موضعين :
أحدهما : أنّه هل يعتبر في مفهومه المباشرة بالفم أو يعمّ سائر الأعضاء أيضا؟ فالأكثر على عدم اعتبار خصوصية الفم ، وهو الملائم لبعض الأخبار.
وثانيهما : أنّه هل يختصّ بالماء أو يعمّه وسائر المائعات أيضا ، أو يعمها وسائر الجوامد التى لاقاها الحيوان بالرطوبة؟ ومقتضى اللغة والعرف هنا التعميم ، ويدلّ عليه قوله عليهالسلام في صحيحة زرارة : « لا بأس بسؤر الهر ، وانى لاستحي من الله ان ادع طعاما لانّ الهر أكل منه ». (١)
قوله : في الطهارة والنجاسة والكراهة.
يعني : كلّ ما كان جسمه طاهرا فسؤره طاهر ، وكلّ ما كان نجسا فنجس ، وكلّ ما كان لحمه مكروها فسؤره مكروه. فالمراد بالطهارة والنجاسة : طهارة البدن ونجاسته ، وبالكراهة : كراهة أكل لحمه. والتخصيص بالكراهة دون غيرها من الحرمة والإباحة لعدم التبعيّة فيهما ، فيباح سؤر بعض ما يحرم لحمه كالجلّال والفأرة وغيرهما ، ويكره سؤر بعض ما لا يكره لحمه كالدجاج على قول ، فالتبعيّة منحصرة في الكراهة.
ويمكن أن يكون مراد المصنّف محض التبعيّة في الطهارة والنجاسة دون الكراهة ، ويكون الكراهة مختصّة بما نصّ عليه كما ذهب إليه جماعة ولكن تصريح الشارح به يدلّ على أنّه علمه من مذهبه من الخارج. وجعله مختار الشارح دون المصنّف يأباه قوله بعد ذلك : وإنّما خصهما لتأكّد الكراهة فيهما.
__________________
(١) وسائل الشيعة : ١ / ٢٢٧.