وهذا أيضا قريب من الأوّلين.
ويمكن توجيه الروايتين بما لا يحتاج إلى هذه التكلّفات ، ولم يدلّ على هذه التفرقة التي ذكروها :
بأنّ الخبر الأوّل معناه : أنّه إذا كفل رجل بنفس رجل وشرط في العقد أنه ان لم يأت به كان عليه كذا ، فعليه الكفالة ، دون المال. وقوله : « إلّا أن يبدأ » إلى آخره بيان لحكم آخر أي : إلّا إذا لم يكفل أوّلا بل بدأ بالدراهم التي على ذمّة المديون وضمنها من غير تكفل ، فهو حينئذ ضامن للدراهم إن لم يأت المديون بالدراهم إلى الاجل الذي ضمن إليه الضامن.
وتذكير الضميرين المجرورين إمّا باعتبار المبتدأ به ، أو بتأويل الدراهم بالمال.
وأمّا الخبر الثاني ، فمعناه : أنه إذا كفل رجل بنفس رجل فعليه إحضاره ، وليس عليه شيء آخر ، وحيث اشترط في العقد أنه عليه خمسمائة درهم إن لم يحضره ، كان عليه الخمسمائة إن لم يحضره. والمقصود بقوله : « عليه نفسه وليس عليه شيء من الدراهم » أنّه لم يلزم عليه بسبب الكفالة سوى نفسه ، فإن قال : عليّ خمسمائة إن لم أدفعه لزم عليه الخمسمائة بسبب الشرط على تقدير عدم الإتيان.
فبيّن أوّلا ما هو لازم عليه مطلقا ، وثانيا ما لزم عليه على تقدير الشرط وذلك نظير ما إذا سأل سائل ، فقال : إذا نذر رجل الحج في هذه السنة ، ثمّ نذر أن يتصدّق بألف دينار إن لم يحج فيها ما ذا يجب عليه؟ فاجاب بانّه ليس عليه واجب سوى الحجّ ويلزم عليه التصدق بالالف ان لم يحجّ فى هذه السنة.
وهذا التوجيه أقلّ تكلّفا من سائر التوجيهات ، وحينئذ لا يصلحان مستندين للحكم الذي ذكروه كما لا يخفى.
قوله : وعلى ما اخترناه.
أي : فيما قال : « وقيل يتعين الزامه باحضاره » إلى آخره ثمّ قال : « وهو قوي ». والمراد :أنّ حكم الكفالة على مختار المصنّف ما ذكرناه بقولنا : « فيلزمه إحضاره أو أداء ما عليه » بالتخيير ، وأمّا على ما اخترناه فيلزمه إحضاره أوّلا من غير تخيير ، وإنّما عليه أداء ما عليه مع تعذّر إحضاره.