لا الصيغة الثانية كما يوهمه ظاهر العبارة ؛ إذ لا معنى محصل له كما لا يخفى على المتأمّل.
بل المراد منه : هو التمليك الذي هو مقتضى الصيغة ، ولا بدّ حينئذ من تقدير حيثية بأن يقال : إن معنى قوله : « لأنّها » إلى آخره ، أي : لأنّ الصيغة الثانية من حيث المقتضى الذي هو التمليك أعم من التمليك الواقع بعد الوفاة. واعلم أنّ المشار إليه في قوله : « كون ذلك بعد الوفاة » هو الموصول المذكور أي : مقتضى الصيغة الاولى كون التمليك بعد الوفاة.
قوله : ونحو ذلك.
كاعطوا فلانا كذا أو جعلت له كذا بعد وفاتى.
قوله : واستفيد من افتقارها إلى آخره.
يمكن أن يكون الافتقار مفهوما من قول الشارح : « وإنّما يفتقر إليه » إلى آخره. وأن يكون مفهوما من قول المصنّف : « وايجابها » إلى آخره ، حيث إنّه لا إيجاب ولا قبول لما لا يفتقر إليه.
ودلالة هذا الافتقار على كونها من جملة العقود ظاهرة ، فإن كلّ ما يحتاج إلى إيجاب وقبول فهو عقد ، ولكن لا يخفى أنّ الحكم بكونها مطلقا من جملة العقود بعد حكمه أوّلا بأنّ بعض أفرادها لا يحتاج إلى القبول ، بل لا يمكن فيه القبول كالوصية للفقراء والفقهاء والمسجد ليس بجيّد.
قوله : والموصى له كذلك إلى آخره.
أي : ما دام كان الموصى له حيّا.
والحاصل : أنّ العقد الجائز هو ما جاز لكلّ واحد من المتعاقدين الرجوع في كلّ وقت شاء وأراد من أيّام حياته [ فيدلّ ] جواز رجوع الموصي ما دام حياته ، وكذا جواز رجوع الموصى له ما دام حياته أي : في كلّ وقت أراد وإن مضت مدّة كثيرة من وفاة الموصي ما لم يقبل بعد الوفاة ، على أنّ الوصية من العقود الجائزة.
ولقائل أن يقول : إنّ هذا إنّما يصحّ على مذهب من جوّز القبول حين حياة الموصي ، وأمّا على ما هو المشهور من اشتراط كون القبول متأخّرا عن حياته ، فلا يصحّ ذلك ؛ لأنّ العقد لا يتحقّق إلّا بتحقّق الايجاب والقبول معا ، ولا يتحقّق القبول على هذا إلّا بعد