ج : نرجو الانتباه إلى النقاط التالية للإجابة على الموارد التي ذكرتموها :
أوّلاً : إنّ الآيتين في مجال ذكر فضيلة الهجرة والنصرة واتباعهما ، ولا إشكال فيه من حيث المبدأ ، ولكن لا تدلاّن على تأييد جميع المهاجرين والأنصار ، حتّى ولو انحرفوا عن الخطّ السليم ، وغاية ما يمكن أن يدّعى أنّ فيهما إطلاق ، وقد ثبت في محلّه : أنّ الإطلاق محمول على المقيّد إن ثبت التقييد ـ أي إن لم يرد قيد فالإطلاق محكم ، وإلاّ فلا ـ وفي المقام قد ثبت بالأدلّة الواضحة : انحراف جماعة عن الخطّ النبوي الذي رسمه لهم صاحب الرسالة صلىاللهعليهوآله.
مضافاً إلى أنّ في الآية الأُولى توجد قرينة صارفة عن الإطلاق ، وهي « من » التي تدلّ على التبعيض ، لأنّ الأصل فيها أن تكون تبعيضية لا بيانية ـ كما قرّر في محلّه ـ وعليه فإنّ رضا الله كان لعدد منهم لا لجميعهم.
وممّا يدلّ على هذا الوجه الآية التي تلت الآية الأُولى في سورة التوبة هي : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ) (١) أليس أهل المدينة من الأنصار؟ فكيف نجمع بين الآيتين بغير ما ذكرناه؟
وأيضاً على سبيل المثال يقول أصحاب السير : بأنّ أُمّ حبيبة ـ زوجة الرسول صلىاللهعليهوآله ـ هاجرت مع زوجها الأوّل ، والذي كان مسلماً آنذاك إلى الحبشة ـ في هجرة المسلمين إليها ـ وهناك ارتدّ زوجها وصار ما صار ، إلى أن رجعت هي مع المسلمين إلى المدينة.
وهنا ، أفهل يحقّ لنا أن ندخل هذا المرتدّ تحت شمول الآية استناداً إلى صدق الهجرة عليه؟!
____________
١ ـ التوبة : ١٠١.