وإن قالوا : إنّ متضمّن القرآن من الصفات المخصوصة ، إنّما هي علامة على مستحقّي المدحة من جماعة مظهري الإسلام ، دون أن تكون منتظمة لسائرهم على ما ظنّه الجهّال.
قيل لهم : فدلّوا الآن على من سمّيتموه كان مستحقّاً لتلك الصفات ، لتتوجّه إليه المدحة ، ويتمّ لكم فيه المراد ، وهذا ما لا سبيل إليه حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط.
ثمّ يقال لهم : تأمّلوا معنى الآية ، وحصّلوا فائدة لفظها ، وعلى أيّ وجه تخصص متضمّنها من المدح ، وكيف مخرج القول فيها؟ تجدوا أئمّتكم أصفاراً ممّا ادعيتموه لهم منها ، وتعلموا أنّهم باستحقاق الذمّ وسلب الفضل بدلالتها منهم بالتعظيم والتبجيل من مفهومها ، وذلك أنّ الله تعالى ميّز مثل قوم من أصحاب نبيّه صلىاللهعليهوآله في كتبه الأُولى ، وثبوت صفاتهم بالخير والتقى في صحف إبراهيم وموسى وعيسى عليهمالسلام ، ثمّ كشف عنهم بما ميّزهم به من الصفات التي تفرّدوا بها من جملة المسلمين ، وبانوا بحقيقتها عن سائر المقرّبين.
فقال سبحانه : ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ ... ) وكأنّ تقدير الكلام : إنّ الذين بينت أمثالهم في التوراة والإنجيل من جملة أصحابك ومن معك ـ يا محمّد ـ هم أشدّاء على الكفّار ، والرحماء بينهم الذين تراهم ركّعاً سجّداً ، يبتغون فضلاً من الله ورضواناً.
وجرى هذا في الكلام مجرى من قال : زيد بن عبد الله إمام عدل ، والذين معه يطيعون الله ، ويجاهدون في سبيل الله ، ولا يرتكبون شيئاً ممّا حرّم الله ، وهم المؤمنون حقّاً دون من سواهم ، إذ هم أولياء الله الذين تجب مودّتهم دون من معه ممّن عداهم ، وإذا كان الأمر على ما وصفناه ، فالواجب أن تستقرئ الجماعة في طلب هذه الصفات ، فمن كان عليها منهم فقد توجّه إليه المدح