قال القرطبي : « وروى الأئمّة عن أبي مرثد الغنوي قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : « لا تصلّوا إلى القبور ، ولا تجلسوا عليها » ، أي لا تتخذوها قبلة فتصلّوا عليها أو إليها ، كما فعل اليهود والنصارى ، فيؤدّي إلى عبادة من فيها » (١).
إنّ الصلاة عند قبر الرسول صلىاللهعليهوآله إنّما هو لأجل التبرّك بمن دفن ، ولا غرو فيه وقد أمر سبحانه الحجيج باتخاذ مقام إبراهيم مصلّى ، قال تعالى : ( وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ) (٢).
إنّ الصلاة عند قبور الأنبياء كالصلاة عند مقام إبراهيم عليهالسلام ، غير أنّ جسد النبيّ إبراهيم عليهالسلام لامس هذا المكان مرّة أو مرّات عديدة ، ولكن مقام الأنبياء احتضن أجسادهم التي لا تبلى أبداً.
هذا وأنّ علماء الإسلام فسّروا الروايات الناهية بمثل ما قلناه ، قال البيضاوي : « لمّا كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور أنبيائهم تعظيماً لشأنهم ، ويجعلونها قبلة يتوجّهون في الصلاة نحوها ، واتخذوها أوثاناً ، لعنهم ، ومنع المسلمين عن مثل ذلك.
فأمّا من اتخذ مسجداً في جوار صالح ، وقصد التبرّك بالقرب منه لا للتعظيم له ، ولا للتوجّه ونحوه ، فلا يدخل في ذلك الوعيد » (٣).
وقال السندي شارح سنن النسائي : « ومراده بذلك أن يحذّر صلىاللهعليهوآله أُمّته أن يصنعوا بقبره ما صنع اليهود والنصارى بقبور أنبيائهم من اتخاذ تلك القبور مساجد ، إمّا بالسجود إليها تعظيماً لها ، أو بجعلها قبلة يتوجّهون في الصلاة إليها » (٤).
____________
١ ـ الجامع لأحكام القرآن ١٠ / ٢٨٠.
٢ ـ البقرة : ١٢٥.
٣ ـ فتح الباري ١ / ٤٣٨ ، فيض القدير ٥ / ٣٢٠.
٤ ـ حاشية السندي على النسائي ٢ / ٤١.