وأمّا ما رواه أهل السنّة في مجال الإفطار :
١ ـ عن جابر بن عبد الله : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله خرج عام الفتح إلى مكّة في رمضان ، فصام حتّى بلغ كراع الغميم فصام الناس ، ثمّ دعا بقدح من ماء فرفعه حتّى نظر الناس إليه ثمّ شرب ، فقيل له بعد ذلك : إنّ بعض الناس قد صام؟ فقال : « أُولئك العصاة ، أُولئك العصاة » (١).
وهذا الحديث صريح في أنّ الصوم في السفر معصية لا يجوز.
٢ ـ عن عبد الرحمن بن عوف قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر » (٢).
هذا وإن استدلّ القائلون بكون الإفطار في السفر رخصة لا عزيمة بقوله تعالى : ( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) فالآية راجعة إلى المسافر ، فهو يدلّ مضافاً إلى جواز الصيام في السفر ، يدلّ على أفضليته فيه ، وينتج أنّ الإفطار رخصة والصيام أفضل.
ولكن يلاحظ عليه : أوّلاً : أنّ الاستدلال إنّما يتمّ لو لم نقل بأنّ الآية الثانية ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ... ) (٣) ناسخة للآية المتقدّمة برمّتها ، ومنها قوله : ( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) ، وإلاّ فعلى القول بالنسخ ـ كما رواه البخاري ـ يسقط الاستدلال ، وإليك ما روى : قال : باب ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ ) (٤) قال ابن عمر وسلمة بن الأكوع : نسختها ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ... ) (٥).
____________
١ ـ صحيح مسلم ٣ / ١٤١ ، مسند أبي يعلى ٣ / ٤٠٠ ، صحيح ابن خزيمة ٣ / ٢٥٥ ، صحيح ابن حبّان ٦ / ٤٢٣.
٢ ـ سنن ابن ماجة ١ / ٥٣٢ ، الجامع الصغير ٢ / ٩١ ، كنز العمّال ٨ / ٥٠٣ ، الدرّ المنثور ١ / ١٩١.
٣ ـ البقرة : ١٨٥.
٤ ـ البقرة : ١٨٤.
٥ ـ صحيح البخاري ٢ / ٢٣٨.