فجائز وقوعه منهم قبل النبوّة وعلى غير تعمّد ، وممتنع منهم بعدها على كُلّ حال ، وهذا مذهب جمهور الإمامية ، والمعتزلة بأسرها تخالف فيه » (١).
وعلى هذا ، يمكن توجيه خروج أبينا آدم عليهالسلام وأُمّنا حوّاء من الجنّة ، بأنّ الخروج من الجنّة ليس عقاباً ـ على معصيتهما وهما منزّهان منها ـ لأنّ سلب اللذّات والمنافع ليس بعقوبة ، وإنّما العقوبة هي الضرب والألم الواقعان على سبيل الاستخفاف والإهانة ، وكيف يكون من تعبّدنا الله فيه بنهاية التعظيم والتبجيل ، مستحقّاً منّا ومنه تعالى الاستخفاف والإهانة؟
فإن قيل : فما وجه الخروج إن لم يكن عقوبة؟
قلنا : لا يمتنع أن يكون الله تعالى علم أنّ المصلحة تقتضي بقاء آدم عليهالسلام في الجنّة وتكليفه فيها متى لم يتناول من الشجرة ، فمتى تناول منها تغيّرت الحال في المصلحة ، وصار إخراجه عنها وتكليفه في دار غيرها هو المصلحة.
وإنّما وصف إبليس بأنّه مخرج لهما من الجنّة ( فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ) (٢) من حيث وسوس إليهما ، وزيّن عندهما الفعل الذي يكون عند الإخراج.
ثمّ لا يخفى أنّ المعصية هي مخالفة الأمر ، والأمر من الحكيم تعالى قد يكون بالواجب والمندوب معاً ، فلا يمتنع على هذا أن يكون آدم عليهالسلام مندوباً إلى ترك التناول من الشجرة ، ويكون بمواقعتها تاركاً نفلاً وفضلاً وغير فاعل قبيحاً ، وليس يمتنع أن يسمّى تارك النفل عاصياً ، كما يسمّى بذلك تارك الواجب.
وفي هذا المجال نذكر هذه الرواية الشريفة : روى الشيخ الصدوق قدسسره : « لمّا جمع المأمون لعلي بن موسى الرضا عليهالسلام أهل المقالات من أهل الإسلام ،
____________
١ ـ أوائل المقالات : ٦٢.
٢ ـ البقرة : ٣٦.