ج : الحكومة في نظر الأنبياء والأئمّة عليهمالسلام ليست هدفاً ، وإنّما وسيلة ، والهدف هو رضى الله تعالى ، والتمكّن من تطبيق أوامر الله ونواهيه ، والحكومة هي إحدى مهامّهم ، وليست كُلّ مهامّهم.
ولأجل هذا ، تجد أنّ أكثر الأنبياء والرسل والأئمّة عليهمالسلام لم يصلوا إلى الحكومة ، لأنّها لم تكن الهدف ، ولم يكونوا عليهمالسلام كسائر السلاطين والحكّام الذين كرّسوا كُلّ جهودهم للوصول إلى الحكم ، وبأيّ وسيلة كانت.
فإذا تبيّن هذا ، فإنّ الحفاظ على أصل الإسلام وكيانه من أهمّ واجبات الإمام عليهالسلام ، ولمّا رأى الإمام علي عليهالسلام أنّ الناس جديدو عهد بالإسلام ، وأنّ أيّ منازعة منه للخلفاء ستؤدّي إلى ارتداد الكثيرين ، وبالتالي سيكون الإسلام في خطر ، فكان عليهالسلام كما وصف هو حاله : « فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجا ، أرى تراثي نهبا » (١).
وكذلك بالنسبة إلى هذه الخطبة ، فإنّه عليهالسلام ليس له همّ إلاّ الحفاظ على أصل الإسلام ، فلمّا كان في شخوص عمر بن الخطّاب بنفسه إلى الحرب ، ممّا سيؤدّي إلى تضعيف الإسلام ، وذلك للأسباب التي وضّحها عليهالسلام في هذه الخطبة ، وجّه عليهالسلام نصحه إلى عمر بأن لا يخرج ، وهذا ليس اعتراف منه عليهالسلام بصحّة خلافة عمر ، كما أنّ صبره عليهالسلام ليس اعتراف بصحّة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان.
هذا ، وإن نصح الإمام وخطابه ليس موجّهاً إلى عمر بن الخطّاب بشخصه ، بل إلى عمر بما يستحلّه من مقام زعامة المسلمين ، وإن كان هذا المقام قد اغتصبه عمر وليس هو حقّ له ، ولكن الآن يحتلّ هذا المقام ، وفي شخوصه تضعيف للإسلام ، ومن أهمّ وظائف الإمام حفظ بيضة الإسلام.
____________
١ ـ المصدر السابق ١ / ١٥١.