وقد ورد عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه وقف على قبر رسول الله صلىاللهعليهوآله ساعة دفنه فقال : « إنّ الصبر لجميل إلاّ عنك ، وأنّ الجزع لقبيح إلاّ عليك » (١).
وعليه ، فإنّ بكاء الزهراء عليهاالسلام على أبيها رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ وفي الوقت الذي تزامنت فيه تلك الأحداث الجسام من غصب الخلافة ، وغصب الإرث ، وكشف البيت الطاهر ، والاستخفاف بحرمة الدين وأهله ـ كان بكاءً على الرسالة ، والدين القويم ، والحقوق المضيّعة ، بل هو بكاء على الملايين من المسلمين الذين سيكونون ضحايا هذه المظالم ، وتبعات هذه الأحداث.
والزهراء عليهاالسلام تعلم بتلك الأُمور ، وما ستؤول إليه ، لذا كان البكاء عند الزهراء عليهاالسلام يتجاوز معناه العاطفي المحدود إلى معان أُخرى من الاستنهاض والثورة على الظالمين ، وبعث رسالة إلى أعماق التاريخ أن لا يغفلوا عن أحداث هذه الفترة التي غيّرت وجه الدنيا بانحرافها وميلها عن الحقّ ، فقد كان البكاء هو الوسيلة الوحيدة المتخذة أمام الزهراء عليهاالسلام لإعلان الحقّ ورفض الباطل ، واستمراره ليلاً ونهاراً هو استمرار المطالبة بالحقّ واستمرار رفض الباطل.
ومن هناك أدرك الخصوم المعاني التي يختزنها بكاء الزهراء عليهاالسلام ، لذا قاموا بالتحريض عليه ، مع أنّه من المستحبّات البكاء على سيّد المرسلين صلىاللهعليهوآله ، والزهراء عليهاالسلام حين بكت على رسول الله صلىاللهعليهوآله وطال حزنها ، وأظهرت هذا الحزن لم تخالف وصية رسول الله ، فهي : لم تخمش عليه وجهاً ، ولم ترخ عليه شعراً ، ولم تناد بالويل ، ولم تقم عليه نائحة ... إنّما كان بكاؤها بكاء الثائرين ... كما يمثّل بكاء شيعة أهل البيت عليهمالسلام على الحسين عليهالسلام ، وتواصل هذا البكاء لقرون متمادية ، وحثّ أئمّة أهل البيت عليهمالسلام عليه ، كما ورد في الأحاديث الصحيحة المعتبرة ، ثورتهم ورفضهم للظلم والظالمين ، ومن هنا جاءت قوّة منعه من قبل سلاطين الجور وأئمّة الضلال.
____________
١ ـ شرح نهج البلاغة ١٩ / ١٩٥.