وأنّ الروايات المصرّحة بذلك الواردة عن طريق أئمّة أهل البيت عليهمالسلام يمكن الاعتماد عليها والاطمئنان بها ، وإن لم تكن ترقى إلى درجة الصحّة ، ولذا جعلها علمائنا مورداً للقبول على أنّا لا نتعامل مع الروايات التاريخية كما نتعامل مع روايات الأحكام ، فلاحظ.
ولا يتنافى هذا البكاء والحزن المتواصل من سيّدة النساء عليهاالسلام مع الشرع ، كما يريد البعض أن يوحي بذلك ، فقد ذكر القرآن الكريم شدّة تأثّر يعقوب عليهالسلام لفراق ابنه يوسف عليهالسلام الذي كان يعلم بعدم موته ، ولكنّه يجهل مكانه ، قال تعالى : ( وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ) (١).
وقد ذكر المفسّرون أنّه أُصيب بالعمى نتيجة هذا الحزن وشدّة البكاء المتواصل ، وعن الإمام الصادق عليهالسلام قال : « بكى علي بن الحسين على أبيه حسين بن علي عشرين سنة ، أو أربعين سنة ، وما وضع بين يديه طعام إلاّ بكى على الحسين ، حتّى قال له مولى له : جعلت فداك يا بن رسول الله إنّي أخاف عليك أن تكون من الهالكين ، قال عليهالسلام : ( إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) » (٢).
وروى ابن قولويه قدسسره : إنّه لما كثر بكاؤه عليهالسلام قال له مولاه : أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فقال : « ويحك والله شكى يعقوب عليهالسلام إلى ربّه في أقل ممّا رأيت حتى قال : ( يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ ) ، إنّه فقد ابنا واحداً ، وأنا رأيت أبي وجماعة أهل بيتي يذبحون حولي » (٣).
فلماذا لم يكن حزن الإمام السجّاد عليهالسلام رسالياً كما يسمّيه هذا المدّعي؟ ولماذا لا يتنافى هذا البكاء مع مسؤوليات الإمام عليهالسلام؟ ويعقوب النبيّ عليهالسلام ، ولماذا لا يكتب في حزنهما مثلما كتب هنا!؟
____________
١ ـ يوسف : ٨٤.
٢ ـ كامل الزيارات : ٢١٣.
٣ ـ نفس المصدر السابق.