.................................................................................................
______________________________________________________
هذا كلّه بناء على أن وجوب الحجّ مطلق لم يؤخذ في موضوعه القدرة الشرعية وأمّا على القول بأنه مشروط بالقدرة الشرعية كما زعمه المشهور فيتقدم الحجّ على النذر أيضاً وإن كان لا يتقدم على سائر الواجبات المزاحمة له ، وذلك لأن وجوب الواجب في غير النذر رافع لموضوع الاستطاعة ، فإن جعل الواجب وإن كان لا ينافي جعل وجوب الحجّ ولكن ينافيه في مرحلة المجعول ، وأما في النذر فالتنافي متحقق في مرحلة الجعل لأن النذر واجب إمضائي ووجوب الحجّ صالح لرفع موضوع النذر فالحج يتقدم على النذر على كل تقدير سواء كان مطلقاً أو مشروطاً ، فلا يقاس النذر في المقام بسائر الواجبات الابتدائية ، فإن التزاحم في تلك الواجبات يتحقق لأن كلا من الواجبين مقدور في ظرف ترك الآخر ، وحيث لا يمكن الجمع بينهما في مقام الامتثال يقع التزاحم ، وأمّا في الواجبات الإمضائية فدليل الإمضاء قاصر الشمول عن النذر المستلزم لترك واجب أو ارتكاب محرم ، فالنذر على نحو الإطلاق غير قابل للإمضاء لعدم قابليته للإضافة إليه سبحانه ، وفي فرض ترك الواجب وإن كان صالحاً للإضافة ولكنه لم ينشئه الناذر ، والإلزام إنما يتعلق بما التزم به على نفسه وإلّا فيتخلف المنشأ عن الإلزام ، وتخلف المنشأ عن الإلزام إنما ثبت في موارد خاصة بالنص ولا يمكن التعدي عن تلك الموارد كاعتبار القبض في الهبة شرعاً مع أن الواهب وهب مطلقاً ، وكذا اعتبار القبض في بيع الصرف والسلم ، وتوقف العقد على بنت الأخ أو الأُخت على إذن العمة والخالة ، أو توقف العقد على البكر على إذن الولي بناء على اعتباره ، فإن تخلف الإمضاء عن القصود إنما ثبت في هذه الموارد وأما في غيرها فلا نلتزم به لعدم الدليل عليه ، ومنه المقام.
ونظير المقام ما لو آجر نفسه من الفجر إلى طلوع الشمس لعمل من الأعمال كالكتابة أو نسج الثوب ، فإنه لا يمكن الحكم بصحة الإجارة ووجوب الوفاء بالعقد لأنّ شموله على نحو الإطلاق لا يمكن لاستلزامه ترك الواجب ، وعلى نحو التقييد لا دليل عليه ، وممّا ذكرنا يظهر أنه لو عصى ولم يأت بالحج لا يمكن تصحيح نذره بالترتب ، لأنّ مطلقه غير قابل للاستناد ومقيده لم ينشأ.