فاضطربت الصفوف وتصايحت الألوف وناداه الشمر : لا بأس عليك ، ثم قال لأصحابه : ويلكم ادركوا صاحبكم قبل أن يقتل.
قال : فخرج اليه غلام له بحجرة (فرس) يقال له «الطاوية» ، فلما نظر اليه المارد فرح بها وكف خجله وصاح : يا غلام عجّل بالطاوية قبل حلول الداهية ، فأسرع بها الغلام اليه ، فكان العباس أسبق من عدو الله اليها ، فوثب وثبات مسرعات وصل بها إلى الغلام ، فطعنه بالرمح في صدره فأخرجه من ظهره ، واحتوى على الحجرة فركبها ، وعطف على عدو الله ، فلما رآه تغيّر وجهه وحار في أمره ، فأيقن بالهلاك ، ثم نادي بأعلى صوته : يا قوم أغلب على جوادي واقتل برمحي!! يالها من سبّة ومعيرة.
قال : فحمل الشمر فاتبعه سنان بن أنس وخولي بن يزيد الأصبحي وأحمد بن مالك وبشر بن سوط وجملة من الجيش فنفضوا الأعنة ، وقدموا الأسنة ، وجرّدوا السيوف ، وتصايحت الرجال ، ومالت نحو العباس ، فناداه أخوه الحسين عليهالسلام : ما انتظارك يا أخي بعد ـ والله ـ فقد غدر القوم بك.
قال : ونظر العباس إلى سرعة الخيل ومجيئهم كالسيل فعطف عليه برمحه فناده المارد : يا بن علي عليهالسلام رفقاً بأسيرك يكون لك شاكراً.
فقال له العباس : ويلك أبمثلي يلقى اليه الخدع والمحال. ما أصنع بأسير وقد قرب المسير.
ثم طعنه في نحره ، وذبحه من الأذن إلى الأذن ، فانجدل صريعاً يخور في دمه ، ووصلت الخيل والرجال إلى العباس فعطف عليهم ، وهو على ظهر «الطاوية» ، وكانت الخيل تزيد عن خمسمائة فارس ، فلم يكن إلّا ساعة حتى قتل منهم ثمانين رجلاً ، وأشرف الباقون على الهرب ، فعندها حمل عمر بن سعد وزحفت في أثره الأعلام ومالت اليه الخيل ، فصاح به أخوه الحسين عليهالسلام : يا أخي استند إليّ لأدفع