سهم وأريق ماؤها ، وسهم أصاب صدره ، وسهم أصاب عينه ، ووقف البطل حزيناً ، فقد كان إراقة الماء عنده أشدّ عليه من قطع يديه ، وشدّ عليه رجس خبيث وضربه بعمود من حديد على رأسه الشريف ففلق هامته.
وهوى بجنب العلقمي فليته |
|
للشاربين به يداف العلقم |
وهوى إلى الأرض (١) وهو يؤدي تحيته ووداعه الأخير إلى أخيه قائلاً : «عليك مني السلام أبا عبد الله ...».
فانقض عليه أبو عبد الله كالصقر فرآه مقطوع اليمين واليسار ، مرضوخ الجبين ، مشكوك العين بسهم ، مرتثاً بالجراحة ، فوقف علهي منحنياً ، وجلس عند رأسه يبكي ، وهو يلفظ شظاياً قلبه الذي مزقته الكوارث ، وقال : «الآن انكسر ظهري وقلّت حيلتي وشمت بي عدوي».
وأنشأ يقول :
تعديتم يا شرّ قوم ببغيكم |
|
وخالفتموا دين النبي صلّى الله عليه وآله محمّد |
أما كان خير الرسل أوصاكم بنا |
|
أما نحن من نسل النبي المسدد |
أما كانت الزهراء امي ويلكم |
|
أما كان من خير البرية والدي |
لعنتم وأخزيتم بما قد جنيتم |
|
فسوف تلاقوا حرّ نار توقد |
وجعل إمام الهدى يطيل النظر إلى أخيه وقد انهارت قواه ، وانهد ركنه ، وتبددت جميع آماله ، وودّ أنّ الموت قد وافاه قبله :
__________________
(١) قال السيد المقرم رحمهالله في هامش كتابه مقتل الحسين عليهالسلام ٢٦٨ : وسمعت العالم الفاضل الشيخ كاظم سبتي رحمهالله يقول : أتاني بعض العلماء الثقات وقال : أنا رسول العباس عليهالسلام اليك رأيته في المنام يعتب عليك ويقول : لم يذكر مصيبتي شيخ كاظم سبتي فقلت له : يا سيدي ما زلت اسمعه يذكر مصائبك فقال عليهالسلام قل له : يذكر هذه المصيبة وهي : ان الفارس اذا سقط من فرسه يتلقى الارض بيديه فاذا كانت السهام في صدره ويداه مقطوعتان بماذا يتلقى الارض؟!