فكيف ـ والحال هذا ـ يختص العباس بالميراث وحده.
هذا كله إن قلنا بوفاة أم البنين يوم الطف ، ولكن التاريخ يثبت حياتها يومئذٍ وأنّها بقيت بالمدينة وهي التي كانت ترثي أولادها الأربعة.
والذي أظنه أنّ منشأ ذلك التقوّل على العباس أنّه أوقفهم السير على قوله لاخوته «لا ولد لكم» من غير روية وتفكير في غرضه ومراده ، فحسبوه أنّه يريد الميراث ، فنوّه به واحد باجتهاده أو إحتماله ، وحسبه الآخرون رواية ، فشوّهوا به وجه التاريخ ولم يفهموا المراد ، ولا أصابوا شاكلة الغرض ، فان غرضه من قوله «لا ولد لكم» تراقبون حاله بعدكم ، فأسرعوا في نيل الشهادة والفوز بنعيم الجنان.
على أنّ العلامة الشيخ عبد الحسين الحلي في «النقد النزيه» (١) احتمل تصحيف «أرثكم» من «أزء بكم» أو «أرزأكم» وليس هذا ببعيد.
وأقرب منه احتمال الشيخ الحجة آغا بزرك مؤلف «كتاب الذريعة» تصحيف «أرثكم» من «أرثيكم» فكأنّه عليهالسلام أراد :
أولاً : أن يفوز بالارشاد إلى ناحية الحق.
وثانياً : تجهيز المجاهدين.
وثالثاً : البكاء عليهم ورثاءهم فانه محبوب للمولى تعالى.
ويشبه قول العباس لأخوته قول عابس بن أبي شبيب الشاكري لشوذب مولى شاكر : يا شوذب ما في نفسك أن تصنع؟
قال : أقاتل معك دون ابن نبي رسول الله حتى أقتل.
فقال : ذلك الظن لك ، فتقدم بين يدي أبي عبد الله حتى يحتسبك كما احتسب غيرك من الصحابة ، وحتى احتسبك أنا فانه لو كان معي الساعة أحد أنا أولى به
__________________
(١) النقد النزيه ١ / ٩٩.