هل لا زلت تحملين ذكريات الشهر الكريم «شهر رمضان» حينما كان يغير كل معالمك ، ويقلب ليلك نهاراً ونهارك ليلاً ، فيقشع النور الظلام في كلّ أرجاءك ...
أتتذكرين كيف كان الناس يجتمعون أقرباء وغرباء ، جيران وغيرهم ؛ ليزوروا حاجاً عاد تواً من زيارة بيت الله الحرام ، ويجتمعون في منزل الحاجة أم عبد الأمير حيث يقام هناك مجلس العزاء في العشرة الثانية من شهر المحرم الحرام ، فيخشع الجميع وتدمع عيونهم ويختم المجلس بذكر مصاب أم البنين عليهاالسلام ، ثم ترتفع الأصوات بالدعاء والأيدي بالابتهال وينفض المجلس ....
أيتها الكوت .. يا مدينتي الحبيبة .. هل لا زلت تتذكرين تلك العائلة التركية السنية التي كانت تتقزز من الشعائر الحسينية وتكرهها أشدّ الكراهية؟!
وكان فيهم فتاة اسمها «وزيره» كانت قد تزوجت منذ عشرة سنين ولم يرزقها الله ولداً ، وكانت عقيماً ، فالتف حولها نساء من البلد وقالوا لها : وزيرة لماذا لا تتوسلين بأم البنين عليهاالسلام ، فأجابت وزيرة : لا فائدة في ذلك أنا أعلم ؛ لأن علم الطب عجز عن علاجي والأمر مستحيل ، وقد استعملت الأعشاب الطبية ، وراجعت علماء الطب القديم ، وصمت صوم زكريا ، ولا من فائدة.
فقالوا لها : لا تيأسي من روح الله فانّ كلّ من أكل من زاد أم البنين عليهاالسلام وتوسل بها إلى الله فان الله يجيب دعوته ، وما يضرك أن تفعلي أنت ذلك ، فلعل الله يرزقك ببركتها بنتاً فتسميها «فاطمة» تيمناً بها ، فماذا تقولين؟!
وظلت وزيرة شابحة البصر تحدّق فيها والسكوت يخيم عليها ، وفجاءة مزق لسانها الصمت وقالت بصوت متحشرج مرتعش : أجل ولكن بشرط أن يبقى الأمر بيننا ولا يطلع عليه أحد من أهلي وذوي زوجي ، بل وحتى زوجي أيضاً.
فقالوا : لا بأس عليك إذهبي الآن واحضري في يوم غد أو بعد غد في بيت الحاجة وستسمعين الخطيب وسيختم المجلس بذكر أم البنين عليهاالسلام.