ووحّدوا صفوفهم للوقوف أمام سيول هوازن الجارفة ، سيما وأنّهم سمعوا أنّ هوازن أقبلت بقضها وقضيضها ، ورجالها ونساءها وأموالها ، فهي إذن عازمة على الموت أو الدخول إلى مكة فاتحة منتصرة.
فخرج المسلمون وقريش ـ وكانوا زهاء ألفي رجل ـ حتى إذا بلغوا «حنين» ، وهو وادي يقع بين الطائف ومكة ، باغتتهم هوازن ، حيث كان القوم قد كمنوا في شعاب الوادي ومضائقه ، فما راع المسلمون إلّا كتائب الرجال ، فانهزموا جميعاً ـ إلّا عليّاً عليهالسلام ـ.
فقتل منهم كثير تحت السنابك والأرجل ، وهوازن تشدّد القبضة عليهم وتحاصرهم وترميهم من كل مكان ، وليس للمسلمين عليهم سبيل ؛ لأنهم في أسفل الوادي والعدو من فوقهم ، فسيطر عليهم الرعب ، وارتبك الموقف ، واضطرب الرجال ، ولم يكن همّ أحدهم إلّا النجاة بنفسه.
وهكذا استمرت المعركة لصالح هوازن ، ولم يصمد أمامهم إلّا النبي صلىاللهعليهوآله ، وأمير المؤمنين ، وثلّة قليلة ممن باعوا أرواحهم ، واستصغروا أنفسهم في جنب الله.
وبالرغم من المقاومة المستميتة لهذه العصابة المؤمنة فانّ العدو استمر في التوغل بين صفوف المسلمين ، فلم يجد النبي صلىاللهعليهوآله بداً ، فنادى برفيع صوته يخاطب المهاجرين والأنصار : إلى أين تفرون؟! لقد نصركم الله في مواطن كثيرة مع قلّة العدد ، اذكروا العهد الذي عاهدتم عليه رسول الله ، ارجعوا فان الله ناصركم ...
ثم نظر إلى الناس ببعض وجهه فأضاء كأنّه القمر ، ثم نادى : أين ما عاهدتم عليه الله؟ فاسمع أولهم وآخرهم ، فلم يسمعها رجل إلّا رمى بنفسه إلى الأرض ، فانحدروا حتى لحقوا العدو ، وامتلأت قلوبهم بالأمل لوعد النبي صلىاللهعليهوآله الصادق المصدق ، حيث وعدهم بالنصر ، واستعادوا رباطة جأشهم ، والتأمت صفوفهم حتى طردوا من المضيق ، ونقلوا المعركة إلى «أوطاس» ، وهناك أنزل الله عليهم النصر فغلبوا عدوهم وأسروهم وغنموا أموالهم.