التقدير : «وما كان أصبرها» فحذف الضمير وهو مفعول أفعل ؛ للدلالة عليه بما تقدم ، ومثال الثانى قوله تعالى : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) التقدير ـ والله أعلم ـ وأبصر بهم ، فحذف «بهم» لدلالة ما قبله عليه ، وقول الشاعر :
(٢٧٠) ـ
فذلك إن يلق المنيّة يلقها |
|
حميدا ، وإن يستغن يوما فأجدر |
__________________
٢٧٠ ـ البيت لعروة بن الورد ، الملقب بعروة الصعاليك.
المعنى : هذا الفقير ـ الذى وصفه فى أبيات سابقة ـ إذا صادف الموت صادفه محمودا ، وإن يستغن يوما فما أحقه بالغنى وما أجدره باليسار!.
الإعراب : «فذلك» اسم الإشارة مبتدأ ، واللام للدلالة على بعد المشار إليه ، والكاف حرف يدل على الخطاب «إن» شرطية «يلق» فعل مضارع ، فعل الشرط وفاعله ضمير مستتر فيه «المنية» مفعول به ليلق «يلقها» يلق : فعل مضارع ، جواب الشرط ، وفيه ضمير مستتر جوازا تقديره هو فاعل ، وها : مفعول به ، وجملة الشرط وجوابه فى محل رفع خبر المبتدأ «حميدا» حال من فاعل «يلق» المستتر فيه «وإن» شرطية «يستغن» فعل مضارع ، فعل الشرط ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو فاعل «يوما» ظرف زمان متعلق بيستغن «فأجدر» الفاء لربط الجواب بالشرط ، أجدر : فعل ماض جاء على صورة الأمر ، وقد حذف فاعله والباء التى تدخل عليه ، والأصل : فأجدر به ، والجملة فى محل جزم جواب الشرط.
الشاهد فيه : قوله «فأجدر» حيث حذف المتعجب منه ، وهو فاعل «أجدر» كما أوضحناه فى الإعراب.
واعلم أن الحذف إنما يكثر إذا كان «أفعل» معطوفا على مثله قد ذكر معه المتعجب منه ، نحو قوله تعالى (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) أى بهم ، أما فى مثل هذا البيت فالحذف شاذ ؛ لعدم وجود المعطوف عليه المشتمل على مثل المحذوف.
ثم اعلم أن ما ذكرناه ـ من أنه يكثر حذف المتعجب منه فى صيغة «أفعل به» إذا كان قد عطف على مماثل مشتمل على مثل المحذوف ـ هو رأى جماعة من النحاة ، وهؤلاء يخصون الدليل الدال على المحذوف بالمعطوف عليه ، بالشرط المذكور ، ومنهم من ذهب إلى أن العبرة بوضوح المقصد ، سواء أكان بالعطف أم بغيره ، وعلى هذا لا يكون الحذف من بيت الشاهد شاذا ، فاعرف ذلك.