الباب الخامس
فى تقسيم الفعل إلى مؤكد ، وغير مؤكد
وفيه فصلان
الفصل الأول
فى بيان ما يجوز تأكيده ، وما يجب ، وما يمتنع
والأصل أنك توجّه كلامك إلى المخاطب لتبيّن له ما فى نفسك : خبرا كان ، أو طلبا ، وقد تعرص لك حال تستدعى أن تبرز ما يتلجلج فى صدرك على صورة التأكيد ؛ لتفيد الكلام قوة لا تكون له إذا ذكرته على غير صورة التوكيد ، وقد تكفّل علم المعانى ببيان هذه الحالات ؛ فليس من شأننا أن نتعرض لبيانها ، كما أننا لا نتعرض هنا لما تؤكّد به الجمل الاسميّة.
وفى اللغة العربية لتوكيد الفعل نونان (١) ، إحداهما : نون مشددة ، كالواقعة
__________________
(١) لهذين النونين تأثير فى لفظ الفعل ، وتأثير فى معناه : أما تأثيرهما فى لفظه فلأنهما يخرجانه من الإعراب إلى البناء إذا اتصلا به لفظا وتقديرا ، وأما تأثيرهما فى معناه فلأن كلا منهما يخلص الفعل المضارع للاستقبال ، ويمحضه له ، وقد كان قبلهما يحتمل الاستقبال كما يحتمل الحال. وبين النونين فرق ؛ فإن الشديدة أقوى دلالة على التأكيد من الخفيفة ، لأن تكرير النون قد جعل بمنزلة تكرير التأكيد ، فإذا قلت : «اضربن» بضم الباء وبنون خفيفة فكأنك قد قلت : «اضربوا كلكم» فإذا قلت «اضربن» بضم الباء وتشديد النون فكأنك قد قلت «اضربوا كلكم أجمعون» وقد اختلف العلماء فى هذين النونين على ثلاثة مذاهب ؛ أحدها : أن الخفيفة أصل لبساطتها ، والشديدة فرع عنها ، الثانى عكس هذا الرأى ، الثالث : أن كلا منهما أصل قائم بنفسه ، وإليه نذهب.