إنّ الذين غدوا بلبك غادروا |
|
وشلا بعينك لا يزال معينا |
غيّضن من عبراتهنّ وقلن لى : |
|
ماذا لقيت من الهوى ولقينا (١) |
ـ وضرب منه جاد معناه وقصرت ألفاظه عنه كقول لبيد بن ربيعة :
ما عاتب المرء الكريم كنفسه |
|
والمرء يصلحه الجليس الصالح |
ـ وضرب منه تأخر معناه وتأخر لفظه ، كقول الأعشى فى امرأة :
وفوها كأقاحى |
|
غذاه دائم الهطل |
كما شيب براح با |
|
رد من عسل النّحل |
ولم يشر ابن قتيبة إلى لفظة «الفصاحة» فى كتابه «الشعر والشعراء» ولكنه استعمل كلمة «الألفاظ» ، ويرى أنّ المحدث ليس له أن يتبع المتقدم فى استعمال وحشى الكلام ككثير من أبنية سيبويه ، ولا أن يسلك فيما يقول الأساليب التى لا تصح فى الوزن ولا تحلو فى الأسماع. يقول : «وهذا يكثر ، وفيما ذكرت منه ما دلك على ما أردت من اختيارك أحسن الروىّ وأسهل الألفاظ وأبعدها من التعقيد والاستكراه ، وأقربها من أفهام العوام. وكذلك اختار للخطيب إذا خطب والكاتب إذا كتب فانه يقال : «أسير الشعر والكلام المطمع» يراد الذى يطمع فى مثله من سمعه وهو مكان النجم من يد المتناول» (٢).
وفى كتابه «أدب الكاتب» حديث عن الألفاظ والأبنية ، ولكنه لا يسميها «فصاحة» وإنما هى قواعد يستعين بها الكاتب. وعقد فى كتابه «عيون الأخبار» بابا سماه «كتاب العلم والبيان» تحدّث فيه عن الإعراب واللحن والتشادق والغريب والبيان والألفاظ التى تقع فى كتب الأمان والعهود والخطب. وهو فى هذه الأبواب والفصول ليس كالجاحظ الذى أرسى كثيرا من قواعد الفصاحة ووضع أمثلتها التى تتردد فى كتب البلاغة والنقد.
__________________
(١) البيتان فى ديوان جرير ، ص ٥٧٨ ، وهما من قصيدة فى هجاء الأخطل.
(٢) الشعر والشعراء ، ج ١ ص ١٠٣.