وفى هذه الأبيات خلاصة لأغراض الإيجاز ، فبه يصل المتكلم إلى هدفه من غير تمهيد أو زيادة لا يقتضيها المعنى ، وبه يأتى الكلام قصيرا يسهل حفظه وروايته ، وهذا ما يبدو واضحا فى الأمثال والخطب والشعر ، وبهذا الأسلوب أيضا تصل المعانى إلى القلب فى أسرع ما يكون وتؤثر فيه فيهتز طربا إن كان الكلام مما يسر ، وينفعل ويتجهم إن كان مما لا يسر.
وكان لهذه الصفة التى أولع بها العرب أن اهتم البلاغيون والنقاد بأسلوب الايجاز ، ووضعوا له حدودا وأقساما ، وبينوا مواضعه ، لأنّه ليس بمحمود فى كل موضع ولا بمختار فى كل كتاب بل لكل مقام مقال ، وإلى ذلك أشار ابن قتيبة بقوله : «ولو كان الإيجاز محمودا فى كل الأحوال لجرّده الله تعالى فى القرآن ، ولم يفعل الله ذلك ولكنه أطال تارة للتوكيد ، وحذف تارة للايجاز ، وكرر تارة للافهام» (١).
وقال ابن جنى إنّ الإطالة والإيجاز هما فى كل كلام مقيد مستقل بنفسه ولو بلغ الإيجاز غايته لم يكن له بدّ من أن يعطيك تمامه وفائدته مع أنّه لا بد فيه من تركيب الجملة فان نقصت عن ذلك لم يكن هناك استحسان ولا استعذاب.
وقال إنّ العرب إلى «الايجاز أقبل وعن الإكثار أبعد» ، وضرب مثلا بالقرآن الكريم وما فيه من الحذف الذى يجعل الكلام موجزا (٢). ومعنى ذلك أنّ هذا الأسلوب ضرورى كغيره إذا أراد المتكلم أن يكون مطابقا لمقتضى الحال ولذلك يقول أبو هلال العسكرى : «إنّ الإيجاز والإطناب يحتاج إليهما فى جميع الكلام وكل نوع منه ، ولكل واحد منهما موضع ، فالحاجة إلى الإيجاز فى موضعه كالحاجة إلى الإطناب فى مكانه فمن أزال التدبير فى ذلك عن جهته ، واستعمل الإطناب فى موضع الإيجاز واستعمل الإيجاز فى موضع الإطناب أخطأ» (٣).
__________________
(١) أدب الكاتب ص ١٥.
(٢) ينظر الخصائص ج ١ ص ٣٩ ، ٨٣ ، ٨٦.
(٣) كتاب الصناعتين ص ١٩٠.