وقيل : إنّ أعرابيا سئل عن ناقته فقال : تركتها ترعى الهعخع» (١). وقال ابن سنان : «ولحروف الحلق مزية فى القبح إذا كان التأليف منها فقط وأنت تدرك هذا وتستقبحه كما يقبح عندك بعض الأمزجة من الألوان وبعض النغم من الأصوات» (٢).
الثانى : أن يكون لتأليف اللفظة فى السمع حسن ومزية على غيرها وإن تساويا فى التأليف من الحروف المتباعدة كما نجد لبعض النغم والألوان حسنا يتصور فى النفس ويدرك بالبصر والسمع دون غيره مما هو من جنسه. ومثاله فى الحروف «ع. ذ. ب» فان السامع يجد لقولهم «العذيب» ـ اسم موضع و «عذيبة» ـ اسم امرأة ـ و «عذب» و «عذاب» و «عذب» و «عذبات» ما لا يجده فيما يقارب هذه الألفاظ فى التأليف. وليس سبب ذلك بعد الحروف فى المخارج فقط ولكنه تأليف مخصوص مع البعد ، ولو قدّمت الذال أو الباء لم تجد الحسن على الصفة الأولى فى تقديم العين على الذال لضرب من التأليف فى النغم يفسده التقديم والتأخير. وليس يخفى على أحد من السامعين أنّ تسمية الغصن غصنا أو فننا أحسن من تسميته عسلوجا ، وأنّ أغصان البان أحسن من عساليج الشوحط (٣). ومن الكلمات العذبة الجميلة «تفاوح» وقد استعملها المتنبى فقال :
إذا سارت الأحداج فوق نباته |
|
تفاوح مسك الغانيات ورنده (٤) |
وهى فى غاية من الحسن ، وقيل : إنّ المتنبى أول من نطق بها على هذا المثال.
__________________
(١) سر الفصاحة ، ص ٥٧.
(٢) سر الفصاحة ، ص ٦٧.
(٣) الشوحط : شجر يتخذ منه القسى.
(٤) الرند : العود ، أو الآس ، أو شجر طيب الرائحة.