الناس والأنعام فى هذا التدبير والجعل ـ فهو خطاب للجميع ، للناس المحاسبين وللأنعام المذكورة بلفظة الغيبة ، ففيه تغليب المخاطب على الغائب ، وإلّا لما صح ذكر الجميع ـ الناس والأنعام ـ بطريق الخطاب لأنّ الأنعام غيب وفيه تغليب العقلاء على غيرهم ، وإلا لما صح خطاب الجمع بلفظ «كم» المختص بالعقلاء. ففى لفظ «كم» تغليبان ، ولو لا التغليب لكان القياس أن يقال يذرؤكم وإياها.
الرابع : تغليب المتصف بالشىء على ما لم يتصف به ، كقوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا)(١) ، قيل : غلب غير المرتابين على المرتابين.
الخامس : تغليب الأكثر على الأقل ، وذلك بأن ينسب إلى الجميع وصف يختص بالأكثر ، كقوله تعالى : (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا)(٢) ، وأدخل شعيب فى قوله «لتعودن» بحكم التغليب إذ لم يكن فى ملتهم أصلا حتى يعود إليها.
السادس : تغليب الجنس الكثير الأفراد على فرد من غير هذا الجنس مغمور فيما بينهم بأن يطلق اسم الجنس على الجميع ، كقوله تعالى : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ. إِلَّا إِبْلِيسَ)(٣) ، وأنه عد منهم مع أنّه كان من الجن تغليبا لكونه جنيا واحدا فيما بينهم ، ولأنّ حمل الاستثناء على الاتصال هو الأصل.
السابع : تغليب الموجود على ما لم يوجد ، كقوله تعالى : (بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ)(٤) فان المراد المنزل كله ، وإنما عبر عنه بلفظ المضى وإن كان بعضه مترقبا تغليبا للموجود على ما لم يوجد.
__________________
(١) البقرة ٢٣.
(٢) الأعراف ٨٨.
(٣) ص ٧٣ ـ ٧٤.
(٤) البقرة ٤.