لم ترم فيها نظما ولم تحدث لها تأليفا طلبت محالا. وإذا كان كذلك وجب أن تعلم قطعا أنّ تلك المزية فى المعنى دون اللفظ» (١).
فالألفاظ عند عبد القاهر لا تتفاضل من حيث هى ألفاظ مجردة ، ولا من حيث هى كلم مفردة ، وإنما تثبت لها الفضيلة وخلافها فى ملاءمة معنى اللفظة لمعنى التى تليها وما أشبه ذلك مما لا تعلق له بصريح اللفظ. ومما يشهد لذلك أنّك ترى الكلمة تروقك وتؤنسك فى موضع ثم تراها بعينها تثقل عليك وتوحشك فى موضع آخر كلفظ «الأخدع» فى بيت الحماسة :
تلفتّ نحو الحى حتى وجدتنى |
|
وجعت من الإصغاء ليتا وأخدعا (٢) |
وبيت البحترى :
وإنى وإن بلّغتنى شرف الغنى |
|
وأعتقت من رقّ المطامع أخدعى |
فان لها فى هذين البيتين ما لا يخفى من الحسن ، ثم إنك تتأملها فى بيت أبى تمام :
يا دهر قوّم من أخدعيك فقد |
|
أضججت هذا الأنام من خرقك |
فتجد لها من الثقل على النفس ومن التنغيص والتكدير أضعاف ما وجدت هناك من الروح والخفة والإيناس والبهجة.
ومن أعجب ذلك لفظة «الشىء» فانك تراها مقبولة حسنة فى موضع وضعيفة مستكرهة فى موضع آخر ، وإن أردت أن تعرف ذلك فانظر إلى قول عمر بن أبى ربيعة :
ومن مالىء عينيه من شىء غيره |
|
إذا راح نحو الجمرة البيض كالدّمى |
وإلى قول أبى حية النميرى :
إذا ما تقاضى المرء يوم وليلة |
|
تقاضاه شىء لا يملّ التقاضيا |
_________________
(١) دلائل الإعجاز ، ص ٣٠٧.
(٢) الأخدعان : عرقان فى جانبى العنق قد خفيا وبطنا ، والليت : صفحة العنق.