على بعض من حيث نطقوا وتكلموا وأخبروا السامعين عن الأغراض والمقاصد وراموا أن يعلموهم ما فى نفوسهم ، ويكشفوا لهم عن ضمائر قلوبهم» (١)
والألفاظ عنده خدم للمعانى وأوعية تتبعها فى حسنها وجمالها أو قبحها ورداءتها ، يقول : «ولن تجد أيمن طائرا ، وأحسن أولا وآخرا ، وأهدى إلى الاحسان ، وأجلب للاستحسان من أن ترسل المعانى على سجيتها وتدعها تطلب لأنفسها الألفاظ ، فانها إذا تركت وما تريد لم تكتس إلّا ما يليق بها ولم تلبس من المعارض إلّا ما يزينها. فأما أن تضع فى نفسك أن لا بدّ من أن تجنس أو تسجع بلفظين مخصوصين فهو الذى أنت بعرض الاستكراه وعلى خطر من الخطأ والوقوع فى الذم. فان ساعدك الجد كما ساعد فى قوله :
أو دعانى أمت بما أودعانى
وكما ساعد أبا تمام فى نحو قوله :
وأنجدتم من بعد إتهام داركم |
|
فيا دمع أنجدنى على ساكنى نجد |
وقوله :
هنّ الحمام فان كسرت عيافة |
|
من حائهن فانهنّ حمام |
فذاك وإلا أطلقت ألسنة العيب» (٢).
إنّ الفصاحة تكون فى المعنى وليس للكلمة المفردة كبير قيمة ، وكثيرا ما تستعمل اللفظة فى موضع فتكون حلوة الجرس عذبة ، وتستعمل فى موضع آخر فتفقد تلك المزية ، وإنما كان ذلك «لأنّ المزية التى من أجلها نصف اللفظ فى شأننا هذا بأنه فصيح مزية تحدث بعد أن لا تكون وتظهر فى العلم من بعد أن يدخلها النظم. وهذا شىء إن أنت طلبته فيها وقد جئت بها إفرادا
__________________
(١) دلائل الإعجاز ، ص ٣٥.
(٢) أسرار البلاغة ، ص ١٩ ، وينظر دلائل الإعجاز ، ٤٠١.