إعجاز القرآن ويردّ ما كان يشيع فى البيئات المختلفة اتجه إلى نظرية النظم ليسد بها المسالك ويفند آراء المختلفين ويوقف طعنات الحاقدين.
ولم يقف عند الاهتمام بالنظم وإنما اهتم بالتصوير الأدبى الذى لا يكون إلا بترتيب الألفاظ والتأليف بينها ، يقول : «ومعلوم أنّ سبيل الكلام سبيل التصوير والصياغة ، وأنّ سبيل المعنى الذى يعبر عنه سبيل الشىء الذى يقع التصوير والصوغ فيه كالفضة والذهب يصاغ منهما خاتم أو سوار ، فكما أنّ محالا إذا أنت أردت النظر فى صوغ الخاتم وفى جودة العمل ورداءته أن تنظر إلى الفضة الحاملة لتلك الصورة أو الذهب الذى وقع فيه العمل وتلك الصنعة ، كذلك محال إذا أردت أن تعرف مكان الفضل والمزية فى الكلام أن تنظر فى مجرد معناه. وكما أنا لو فضلنا خاتما على خاتم بأن تكون فضة هذا أجود أو فضة ذاك أنفس لم يكن ذلك تفضيلا له من حيث هو خاتم ، كذلك ينبغى إذا فضلنا بيتا على بيت من أجل معناه أن لا يكون تفضيلا له من حيث هو شعر وكلام» (١).
فعبد القاهر يرى أنّ للتصوير الأدبى قيمة كبيرة ، ولذلك أطال الكلام فى «أسرار البلاغة» على الوسائل التى تجعل الصورة حسنة مقبولة ، وفصل القول فى نظرية النظم ، وذهب إلى أبعد من ذلك ورأى أنّ فى الاستعارة ما لا يمكن بيانه إلّا بعد العلم بالنظم والوقوف على حقيقته. يقول متحدثا عن الاستعارة فى بيت الشاعر :
سالت عليه شعاب الحىّ حين دعا |
|
أنصاره بوجوه كالدنانير |
«فانك ترى هذه الاستعارة على لطفها وغرابتها إنمّا تم لها الحسن وانتهى إلى حيث انتهى بما توخّى فى وضع الكلام من التقديم والتأخير ، وتجدها قد ملحت ولطفت بمعاونة تلك ومؤازرته لها. وإن شككت فاعمد إلى الجارين والظرف فأزل كلّا منها عن مكانه الذى وضعه الشاعر فيه فقل : «طالت
__________________
(١) دلائل الإعجاز ، ص ١٩٦.