شعاب الحى بوجوه كالدنانير عليه حين دعا أنصاره» ثم انظر كيف يكون الحال وكيف يذهب الحسن والحلاوة وكيف تعدم أريحيتك التى كانت وكيف تذهب النشوة التى كنت تجدها» (١).
إنّ الفصاحة عنده لا تكون إلّا بتوخى معانى النحو ، أى النظم ، والألفاظ لا تفيد حتى تؤلف ضربا خاصا من التأليف ويعمد بها إلى وجه فى التركيب.
فلو أنّك عمدت إلى بيت شعر أو فصل نثر فعددت كلماته حدّا كيف جاء واتفق وأبطلت نضده ونظامه الذى عليه بنى وفيه أفرغ المعنى وأجرى ، وغيرت ترتيبه الذى بخصوصيته أفاد كما أفاد ، وبنسقه المخصوص أبان المراد نحو أن تقول فى «قفانبك من ذكرى حبيب ومنزل» : «منزل قفا ذكرى من نبك حبيب» أخرجته من كمال البيان إلى محال الهذيان ، وأسقطت نسبته من صاحبه ، وقطعت الرحم بينه وبين منشئه ، بل أحلت أن يكون له إضافة إلى قائل ونسب يخص بمتكلم (٢).
وانتهى إلى الحكم بالخطأ على من قصر الفصاحة على الكلمات من حيث هى ألفاظ منطوقة وأصوات مسموعة ، والأديب لا يطلب اللفظ بحال ، وإنّما يطلب المعنى فاذا ظفر به فاللفظ معه وإزاء ناظره ، ولذلك لم تكن الفصاحة عنده من صفات المفردات من غير اعتبار التركيب.
إنّ عبد القاهر ربط بين الفصاحة والنظم ولذلك لم يطل الكلام على شروط الفصاحة كما فعل معاصره ابن سنان الخفاجى ، ولكنه مع ذلك لا ينكرها كل الإنكار ، ونراه يقول فى خاتمة كتابه «دلائل الإعجاز» : «واعلم أنّا لا نأبى أن تكون مذاقة الحروف وسلامتها مما يثقل على اللسان داخلا فيما يوجب الفضيلة ، وأن تكون مما يؤكد أمر الإعجاز ، وإنما الذى ننكره ونفيل رأى من يذهب إليه أن يجعله معجزا به وحده ويجعله الأصل
__________________
(١) دلائل الإعجاز ، ص ٧٨.
(٢) أسرار البلاغة ، ص ٨.