واهتم المعاصرون بالبحث فى الألفاظ الموحية والقوية والمؤنسة والعذبة ، وتحدثوا عن تآلفها وتعبيرها عن الانفعال والفكرة وإحداثها الصور البديعة ، وعنوا بها ؛ لأنّ اختيار الكلمة المؤثرة هى أول خطوة للبناء الفنى.
وكنا قد دعونا ـ كما دعا أمين الخولى ـ إلى الاقتصار على مصطلح «البلاغة» للدلالة على الفصاحة والبلاغة. ومما قلناه قبل أعوام : «ونرى ـ كما يرى الأستاذ أمين الخولى ـ أنّه لا حاجة إلى استعمال مصطلحين هما «الفصاحة» و «البلاغة» بل ينبغى التسوية بينهما كما رأينا عند الجاحظ وعبد القاهر تقليلا للأقسام ، فنقول «بلاغة الكلمة» و «بلاغة الكلام» كما نستطيع أن نقول «بلاغة الألفاظ» و «بلاغة المعانى» أى جودة ذلك. وحينئذ نقول : إنّ من شروط البلاغة أن تكون الألفاظ كذا وكذا ، ولا يعتبر الكلام بليغا ما لم تكن ألفاظه حسنة كمعانيه ، وبذلك لا يكون مجال لقولهم إنّ فصاحة الألفاظ غير مستلزمة لبلاغتها وإن صرح السكاكى بأنّ البلاغة والفصاحة مما يكسو الكلام حلة التزيين ويرقيه أعلى درجات التحسين» (١).
ولكن الأيام تغير كثيرا من الأحكام ، فقد اتضح لنا أنّ استعمال مصطلح «الفصاحة للدلالة على الدراسة المتصلة بالألفاظ أكثر دقة وشمولا وجمعا لما تفرق من هذه المباحث فى كتب البلاغة والنقد. ولا يضير الدراسات الحديثة التمسك بالمصطلحات القديمة ذات الدلالة الواسعة والواضحة معا. والفصاحة إحدى تلك المصطلحات التى يمكن أن تجمع فى إطارها جميع البحوث الصوتية واللفظية ، وهى دراسات واسعة ومجدية فى دراسة الأدب ونقده.
__________________
(١) البلاغة عند السكاكى ص ٣٠٣. وتنظر مادة (بلاغة) فى دائرة المعارف الإسلامية (الترجمة العربية ج ص) ، ومناهج تجديد ص ، وفن القول ص.