أقسام الموضوع الواحد هذا التوزيع ويذكر عنه فى كل باب نتفا يسيرة لا تجدى نفعا ، فما لا يمكن الأخذ به والتعويل عليه. وبالمقارنة بين ما كتبه السكاكى وما كتبه عبد القاهر أو ابن الأثير يتضح مدى إفساده هذه المباحث وجوره عليها. فبعد أن كنا نقرأ فى «دلائل الإعجاز» أو «المثل السائر» موضوعات فيها عرض وتحليل وجمع لأطراف الموضوع الواحد جمعا يخرج الدارس منه بفكرة واضحة وفائدة كبيرة ـ بعد هذا كله ـ نقرأ فى «مفتاح العلوم» موضوعات تناثرت أطرافها فى عدة أبواب لا يخرج الدارس منها إلا بصورة حائلة ، وقواعد جامدة ، وأمثلة مبتسرة. وقد يلجأ لكى يكوّن فكرة صحيحة إلى أن يلم شتات الموضوع الواحد ويضم بعضها إلى بعض ، وفى هذا إضاعة للجهد وإفساد للبلاغة والذوق.
وكانت ثمرة ذلك أن بعثر السكاكى الموضوعات وأفقدها رونقها ، وأصبحت لا تجدى نفعا إلّا بالرجوع إلى عدة فصول لجمع شتاتها وتوحيد أجزائها.
أمّا بحث خروج الكلام على مقتضى الظاهر كوضع المضمر موضع المظهر ، ووضع المظهر موضع المضمر ، والالتفات فى المسند إليه فليس دقيقا ، لأنّ هذه الفنون لا تخصه وحده وإنما تدخل المسند أيضا. وقد أشار السكاكى إلى ذلك بقوله : «واعلم أنّ هذا النوع أعنى نقل الكلام عن الحكاية إلى الغيبة لا يختص بالمسند إليه» (١). وكان ينبغى أن يضع لكل لون من هذه الفنون بحثا يفصّل القول فيه تفصيلا.
وتكلم على استعمال المضارع مكان الماضى فى الحالات المقتضية لتقييد الفعل بالشرط مع أنّ الإخبار عن الفعل الماضى بالفعل المضارع أو بالمستقبل نوع من الالتفات كما صرح به البلاغيون.
وعقد فصلا للفعل وما يتعلق به من ترك وإثبات ، وإظهار وإضمار ،
__________________
(١) مفتاح العلوم ص ٩٥.